الأربعاء، 1 يناير 2014

حسب الله درس في الخارج

خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي في بلاد "الواق واق". تخرّج "حسب الله" من الثانوية العامة و كان من الأوائل على دفعته. كان أبوه تاجر الأغنام الحاج "أبوحسب الله" فخوراً جداً به. كونه أول شخص في العائلة يحصل على شهادة الثانوية العامة. في تلك الفترة كان يتسنى للنخبة فقط إكمال تعليمها النظامي. أكثر الشباب كانوا يرثون مهنة آبائهم.  

الحاج أبوحسب الله كبير في السن. أمّي لا يقرأ و لا يكتب. لذلك أراد الأفضل لإبنه. أشار عليه بالسفر لدراسة الهندسة في أمريكا. لم تكن هناك جامعة محلية في بلاد الواق واق في تلك الفترة. تزوّج حسب الله من إبنة جارهم (كان يعشقها من الصغر) و سافر معها إلى أمريكا حسب خطة أبيه. و لكنه لم يكمل دراسته. رجع إلى البلاد بخفّي حنين بعد بضعة أشهر. 

سأل أبو "حسب الله" مستنكراً: 
لماذا فشل إبني في أمريكا ؟ كان متفوقاً طوال سنوات تحصيله العلمي في المدارس. 

قال "حسب الله":
أنا لا أحب الهندسة و أكره الغربة. سافرت للدراسة تنفيذاً لرغبة أبي فقط. اشتقت لأهلي و أصحابي. هذا غير أن أستاذي في الجامعة رسّبني في الإختبارات التحضيرية لأنه كان يهودياً متطرفاً يكره المسلمين. قررت الرجوع إلى بلدي لأرعى الحلال (أغنام أبي) أفضل لي من إكمال دراستي. 

قالت أم "حسب الله":
إبني كان راغباً في الهندسة. و لكن كَنّتي (زوجة إبني) الله يسامحها كانت السبب في فشله. إنها يافعة طائشة مندفعة منذ أن تزوّجها. كانت تريد الإستمتاع بالحياة و السياحة في أمريكا بدلاً من شد أزر إبني في دراسته. أنا لم أرضَ بها كزوجة لإبني منذ البداية. و لولا إصرار إبني للزواج منها لبحثت له عن زوجة أخرى تفوقها جمالاً و إخلاصاً لتليق بمقامه أكثر. هذا غير أمها التي كانت توصيها "لا تخلينه يكمل دراسته هناك و إلا سيطير من يديك و يتزوج أمريكية شقراء!".

قالت أخت "حسب الله":
أؤيد أمّي في أن زوجة أخي كانت هي السبب. لكنني ألوم أمّي لأنها كانت السبب في تزويج بنت جارنا لأخي الذي رضخ لضغوطها في نهاية الأمر. تزوجها بالرغم من عدم رغبته بالزواج أساساً. و ها هي النتيجة: فشل أخي في دراسته.

قالت زوجة "حسب الله":
بيني و بين حسب الله حب قديم منذ نعومة أظفارنا. لأننا كنا جيران منذ سنوات طويلة. قسماً بالله لا دخل لي في قرار زوجي بإنهاء دراسته. هو الذي سئم الغربة و قرر شد الرحال و الرجوع إلى الوطن دون تخطيط مسبق. لم يُبدِ لي الأسباب. زوجي عنيد و صعب المراس. قرر الرجوع بالرغم من معارضتي لقراره.  

زملاء "حسب الله" الذين كانوا معه في الغربة (و تخرجوا بنجاح بعد بضع سنوات) قالوا:
أمضى صاحبنا حسب الله أغلب وقته في أمريكا بقراءة القصص المصوّرة (كوميكس). لم يكن يحضر المحاضرات. حتى أستاذنا في الجامعة لم يقابله شخصياً و لم يعرفه. عندما استفسرنا منه عن إهماله عن الحضور و الدراسة ، رد علينا: أنا هنا تنفيذاً لرغبة والدي. سأمضي وقتي بقراءة هذه القصص إلى أن يحلها ألف حلّال. 

إذا استمع أحد غريب (محايد) لقصة حسب الله ، يضع لها بعض الإحتمالات...

إحتمال رقم ١:
ربما "حسب الله" لم يكن بالفعل راغباً في إكمال دراسته بعد الثانوية و سافر إستجابة لضغوط أبيه فقط. الآباء في بلاد الواق واق معروف أن رغباتهم أوامر غير قابلة للنقاش.

إحتمال رقم ٢:
ربما "حسب الله" كان راغباً في إكمال دراسته ، لكن الهندسة لم تكن شغفه. 

إحتمال رقم ٣:
حسب الله كان أول من يخوض تجربة الدراسة الجامعية في أسرته. لذلك كان يفتقر القدوة. إستشارة ناس أكبر منه في السن لها خبرة سابقة في الدراسة في الخارج لم تكن متوفرة في تلك الأيام. ناهيك عن عدم توفر طرق البحث عبر القارات (مثل الإنترنت) خلال فترة السبعينات.   

تحليل
  واضح أن الروايات الشفهية المنقولة من صاحب الشأن و أمه و أخته و زوجته و أصحابه فيها بعضاً من التفاوت و التناقض. هذا شيء طبيعي. "إليزابيث لوفتس" كرست حياتها في البحث العلمي لإثبات قصور الشهادة العينية. شهود العيان عندما يصفون أحداثاً معينة ، وصفهم مبني على العواطف و الأحاسيس و القناعات الشخصية. الأمر الذي لا يعوّل عليه ، خصوصاً في القضايا الجنائية.

الروايات الشفهية عن أسباب فشل "حسب الله" منقولة من لسان الأهل مباشرة. صاحب الشأن على قيد الحياة و مستعد لتكذيب (أو تأكيد) هذه "الروايات" المنقولة.

يا ترى ما هي الروايات التي ستتناقل على لسان أحفاد حسب الله بعد أربعين سنة؟

طالما أن هذه الروايات منقولة شفهياً ، كل شخص ينقلها سيضيف عليها القليل من بهاراته الخاصة.

ربما الرواية عندما تصل إلى عاشر مستمع بعد مائتي عام ستكون مختلفة جداً عن الرواية الأصلية. 

القصة القصيرة بشخصياتها و أحداثها من نسيج خيالي. مبنية على أحداث واقعية و المغزى منها واقعي جداً.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق