جرت العادة في البيت الذي ترعرعت فيه أن نساعد الخدم في رفع الصحون من المائدة الى المطبخ بعد كل وجبة. “نساعد” المعني بها هنا نحن صغار السن فقط. بينما الكبار (الأم و الأب و الإبن البكر) يتكئون و يشربون الشاي بعد الوليمة. الصغار يقومون لمساعدة الخدم.
مرة واحدة فقط أقدمت على خطوة جريئة (كانت حركة غبية وقتها) عندما سألت أخي الكبير عن سبب عدم مشاركته لنا في هذه المهمة. خاصمني أخي و لم يكلمني بعدها لعدة أسابيع. و لم ينتهِ الخصام إلا بعد إعتذاري الرسمي و الصريح له. هناك "عُرف" مشابه عند قبائل الجزيرة العربية (ما يسمى "علوم الرجاجيل")، حيث صغار السن يباشرون الضيوف و كبار السن بصب القهوة العربية لهم في المجالس.
أستاذ التربية البدنية في المدرسة الثانوية التي تخرجت منها كان وزنه تقديرياً ١٥٠ كلغم. أكثرها كانت مرتكزة في كرشه. كان يصرخ على الطلبة وقت التمارين صارخاً فيهم “مافيش لياقة!”. في المدرسة ذاتها أستاذي الفاضل ناظر المدرسة كان معروفاً بسياسة اللا هوادة (zero tolerance) ضد ظاهرة تدخين الطلبة. بينما علبة سجائره الحمراء كانت تطل علينا من جيبه العلوي لتلفت الأنظار من تحت ثوبه الأبيض الصيفي (الدشداشة).
بعدما تخرجت من الجامعة و توظفت في وزارة الصحة ، لاحظت بأن القليل من الاستشاريين من كان يلتزم بساعات الدوام الرسمي في المستشفيات الحكومية. و الذين يحضرون منهم لفحص المرضى في الخفارات ليلاً عددهم أقل . بل منهم من كان يعفي نفسه من جدول الخفارات و المرور على المرضى في نهاية الأسبوع دون أن يحاسبه أحد. و في فترة زمالتي لأمراض القلب ، كان بعض الاستشاريين يتقاعس عن الذهاب الى المستشفى ليلاً إذا نودي لحالة طارئة. و لا يوجد أخطر من طبيب قلب كسول تحت هذه الظروف.
![]() |
مبدأ القيادة بالقدوة |
مجتمعنا تم تصميمه بطريقة تجعله يحارب مبدأ "القيادة بالقدوة" بكل ما أوتي من عزم و قوة. ذلك لأن هذا المبدأ الدخيل علينا يهدد أمن و استقرار نمط حياتنا المتمحور على تسلسل السلطة و أهمية الطبقية و المحسوبية و إحترام الأقدمية.
حتى الصغير عندما يساعد الخدم في رفع الصحون يقول في نفسه...
"غداً عندما أكبر ، سأجالس الكبار و أدع الصغار يساعدون الخدم".
و الطالب في المدرسة يقول في نفسه ...
"غداً عندما أكبر ، سأدخن و آكل و أنام كما يحلو لي ، حالي من حال أستاذ التربية البدنية و الناظر"
و الطبيب المتدرب "المكروف" يقول في نفسه...
"غداً سأصبح استشارياً قد الدنيا. حينئذٍ سأداوم في المستشفى الحكومي ساعتين فقط في اليوم. لأكرس جُل وقتي الثمين لمرضى عيادتي الخاصة. بالضبط كما يفعل أستاذي الآن".
في الحضارات الشرقية "القائد" هو من يسن القوانين و يستثني نفسه منها تلقائياً. ذلك لأن وضعه “مختلف”. و يشمل هذا الاستثناء كل أتباعه طبعاً. الرعية في المقابل تتنازع فيما بينها على السلطة كي يتسنى لها أيضاً إستثناء نفسها من القانون عندما تصل القمة. "الواسطة" ما هي إلا "الإستثناء" التي يمنحه القياديون لأتباعهم ، لأنهم هم أنفسهم فوق القانون. كل جيل يسير على خطى الجيل الذي سبقه. و تستمر دائرة الشر ، و دقّي يا مزّيكا!
القطاع الخاص يعي موضوع القيادة بالقدوة جيداً. لذلك في الأندية الصحية الخاصة ترى المدرب في صالة الحديد نفسه بطلاً في كمال الأجسام. و في محلات العطور و المكياج أيضاً ترى الموظفة هناك جميلة جداً و بكامل زينتها و مكياجها.
القطاع الخاص يعي موضوع القيادة بالقدوة جيداً. لذلك في الأندية الصحية الخاصة ترى المدرب في صالة الحديد نفسه بطلاً في كمال الأجسام. و في محلات العطور و المكياج أيضاً ترى الموظفة هناك جميلة جداً و بكامل زينتها و مكياجها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق