الأحد، 5 يناير 2014

خلك واضح

كان "شن" معروفاً بالعقل و الفطنة و الدهاء. رغب في الزواج من فتاة تضاهيه في ذلك. قرر شد الرحال للبحث عن تلك الفتاة. و بدأ بحثه في القرية المجاورة. في بداية طريقه صادفَ رجلاً مسافراً. سأله عن وجهته. إتضح أن كلاهما متجهان إلى نفس القرية.

الرجل: أنا أريد السفر الى موطني ، القرية المجاورة. فهل لك بمرافقتي؟
شن: لا مانع لدي. أتحملني ام أحملك ؟
الرجل: يالك من جاهل. أنت على بعيرك و أنا على بعيري. فلماذا نحمل بعضنا؟
شن: سامحني ياصاحبي. لقد أخطأت.

واصلا طريقهما حتى لاحظا حقلاً من القمح حان وقت حصاده.
شن: هل أكل الفلاحون قمحهم؟
الرجل: يالك من جاهل. كيف تقول ذلك و القمح لم يُحصَد بعد؟
شن: أرجو المعذرة. لقد أخطأت مرة اخرى.

بعدما وصلا الى القرية المجاورة ، رؤوا فيها جنازة. أهلها رافعين نعشاً و يبكون.
شن: هل الذي في داخل النعش ميتاً أم حياً؟
إنفجر الرجل غاضباً: يالك من احمق. أتسأل عن الذي في التابوت ما إذا كان حياً أو ميتاً؟
شن: لا تغضب مني يا صاحبي. ها قد إنتهت رفقتنا هنا و ستستريح مني و من أسئلتي الغبية.

الرجل: لكنك ضيفي في قريتنا. يجب أن أضيفك عندي.
ذهب الرجل إلى عائلته و قال: معي ضيفاً. 
أعدوا طعاماً لنا. لقد أزعجني بأسئلته المتخلفة طوال الطريق. لكنه على أي  حال ضيفي و علينا إكرامه.

قالت إبنته "طبقة" بعد ما رأت الضيف: لم تبدُ عليه معالم التخلف. فلماذا وصفته بذلك؟
الأب : لا يخدعك مظهره. أنا لم أرَ شاباً بمثل غبائه من قبل. أخبر الرجل إبنته بالأسئلة التي طرحها شن في الطريق.

طبقة: ولكن يا أبي ، هذه الأسئلة حكيمة. 
هذا الشاب قد أنهكه السفر و فرح بلقائك. فأقترح عليك: "أتحملني أم أحملك"؟ 
كان قصده أيكما "يريح الآخر" عناء الطريق.

أما سؤاله عن القمح و قد آن حصاده ، لأنه يرَ له حاصداً. 
سألك إذا أصحابه باعوه قبل حصاده فأكلوا ثمنه. أو أنهم استغنوا عنه فتركوه.

و أما سؤاله عن الجنازة…
قصده أن الميت إذا كان من أهل الخير فسيحيا بدوام ذِكرِه.
أما إن غير ذلك فسيموت ذكره معه.

دُهش الأب لفطنة ابنته. لذلك رجع إلى ضيفه شن و سرد له تفسير أسئلته.

فقال له شن: أصبت. لكن هذه ليست إجاباتك۔

رد عليه الرجل: إنما كانت إجابات أبنتي "طبقة". 
ظني بك كان صائباً. أنت فعلاً أحمق و متخلف و متحذلق الى أبعد الحدود. لماذا لم تكن واضحاً في أسئلتك معي منذ البداية؟ 
هل ظننت أن "الغموض" و "الرموز المبهمة" و "التلميح بين السطور" من أسرار الحكمة؟ أم أنك كنت تستهين بذكاء من يرافقك بألغازك التعجيزية و عباراتك الفلسفية العائمة؟ أخرج من بيتي. و إذا رأيتك في قريتي مرة أخرى حشيت ريولك حش!

"ذلف" شن راجعاً الى قريته خائباً.بينما تزوجت طبقة أغنى و أوسم شاب في قريتها.عاشت معه في سعادة و خلّفت منه البنين و البنات.


في التواصل بين الناس ، خير الكلام ما قل و دَل. "دَل" معناها تفادي "الغموض" و هو أهم شرط. حتى في اللغة الإنجليزية يقال "Avoid ambiguity". العبارات الغامضة العائمة المفتوحة يستخدمها المنجمون و المشعوذون و "أشباه الحكماء" على حد سواء لأنها فعالة لأي موقف أو مناسبة. صالحة لكل زمان و مكان. لا يمكن تكذيبها أو إبطالها. تنطلي على البسطاء و ضعاف العقول لأنها تمنح هيبة مزيفة لمن يتفوه بها.

على سبيل المثال. في المطاعم الصينية لديهم بسكوتة الحظ (fortune cookie) فيها ورقة تحوي كلام عام له أكثر من تفسير. فإذا كتب لك المنجّم عبارة "أمامك سكة سفر" قد تعني: ترقية في الوظيفة أو بعثة دراسية أو رحلة سياحية إلى باريس أو الخفجي! و مليون تفسير غيره. كذلك في "علم" الأبراج. يصورون لك و كأن موقع الكواكب و حركة المجرات و النجوم في يوم ميلادك يؤثر على نمط شخصيتك و خط سير مستقبلك.

أشباه الحكماء يتسخدمون نفس الغموض لإضافة "هيبة مصطنعة" لشخصهم. و ذلك بإستخدام العبارات الرمزية في حديثهم و التي غالباً غير مفهومة من أول مرة و تحتاج لتأويل لاحقاً. مثل حديث صاحبنا المتفلسف "شن" في القصة السابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق