السبت، 11 يناير 2014

تدرب "عندهم" أحسن لك

  سؤال كهذا يتكرر على لسان كل من يرغب في دراسة أي مرحلة من مراحل الطب:
منذ البكالوريوس ، مروراً بالبورد العام إلى الزمالة التخصصية ، إنتهاءاً بزمالة التخصص الدقيق.

المتعصبون للغرب (و ما أكثرهم) يجاوبون تلقائياً بأن الدراسة في الغرب أفضل طبعاً. بينما الأساتذة المحليّون يدافعون عن كليّات الطب المحلية و يرفعون من شأن مستشفيات البلد و التعليم الطبي فيها. أساتذة محليون آخرون يشجعون تلاميذهم (تحت الطاولة) على إنتهاز فرص الإبتعاث إذا توفرت لهم لدراسة الطب في الخارج. كل واحد منهم لديه أسبابه. 

إتضح لي بأن المشكلة ليست في الإجابات المتنوعة.
المشكلة ربما تكمن في السؤال نفسه.
بمعنى أننا ربما كنا نسأل السؤال الخطأ. 

الأساتذة المحلّيون الذين يدافعون عن جودة التدريب الطبي المحلي ("المحلي": في الدول الخليجية و الدول العربية) يدّعون بأن مستوى تلاميذهم الأكاديمي يفوق مستوى نظرائهم المتدربين في الغرب. و لديهم نتائج الإختبارات التي تثبت صحة إدعاءاتهم. 

في المقابل ، الذين يمدحون التدريب في الغرب لا يبذلون مجهوداً كبيراً في الدفاع عن جودة التدريب هناك. لأن سمعة الجامعات وحدها مثل "ستانفورد" أو "أوكسفورد" أو "هارڤارد" كفيلة بإسكات أي متسائل. لكن كما قلت مسبقاً ، نحن كنا نسأل السؤال الخطأ.

  الفرق الأساسي بين التعليم المحلي و الأجنبي هو إختلاف الأولويات. فالأساتذة في الغرب هدفهم "صناعة" طبيب قادر على التفكير المنطقي المرتّب المتسلسل و إتخاذ القرار في التشخيص و العلاج في نفس اللحظة و من قلب الحدث. بعد ذلك إجادة المهارات اليدوية   لمساعدة المريض (كلٌ حسب تخصصه)

  بينما في التعليم المحلي ، الهدف الأساسي هو صنع طبيب حافظ المنهج الدراسي كله عن ظهر قلب. التركيز على الجانب النظري أهم شيء في الدنيا بالنسبة للأساتذة المحليون الأفاضل. لذلك الأطباء الذي يتمتعون بذاكرة تصويرية ينجحون في كل الإختبارات و يحصلون على أعلى الشهادات. و فعلاً يتفوقون على نظرائهم من الجامعات الغربية في الإختبارات النظرية. 

بينما الطبيب المتدرب في الغرب ربما لا يحفظ الكتاب "من الغلاف إلى الغلاف" و لا يدرس عشر ساعات في اليوم. و لكنه إذا ذهب إلى غرفة الطواريء يستطيع أن يضع خطة مسبقة مفصّلة للفحوصات المطلوبة لتشخيص كل مريض ، و يجري بنفسه العمليات/الإجراءات المطلوبة حسب تخصصه (قسطرة قلبية ، منظار للمريء و المعدة ، تنفس صناعي في الإنعاش ، جراحة البطن المفتوح ...الخ).

السؤال الصحيح ربما ...
في ميدان المعركة: 
هل تريد جنوداً لديهم لياقة بدنية عالية و معرفة في استخدام السلاح و خبرة سابقة في الحروب؟
أم تريد جنوداً يحفظون الشعر و النثر و النحو و الصرف؟
ستضحك من هذا السؤال لأن إجابته واضحة. 

 السؤال نفسه في المستشفى...
هل تريد طبيباً يحفظ كل مقررات الطب في تخصصه عن ظهر قلب؟
أم تريد طبيباً يعرف كيف يتصرف بمفرده في الطواريء و الأجنحة و العيادات الخارجية؟

إذا تظن بأن إجابة هذا السؤال سهلة كالسؤال السابق...
- أنت لا تعلم كم مرة قال لنا الإستشاري "روح بيتكم ادرس أحسن لك".
- أنت لا تعلم كيف الإستشاريون يحاولون إبعاد الأطباء المتدربين عن ممارسة (أو حتى مشاهدة) مهاراتهم الطبية.  
-لا يزال نظام الترقيات في العديد من المستشفيات العربية قائم على اجتياز الإختبارات النظرية (الزمالة البريطانية أو الماجستير أو الدكتوراه...الخ). لذلك الطبيب يمضي أغلب وقته في دراسة الكتب و حل أسئلة الإختبارات السابقة. 

الأطباء العرب يتفاخرون بأن اختباراتهم المحلية أصعب كثيراً من اختبارات الغرب. "الخواجات" يريدون تخريج "طبيب حقيقي" يفهم أساسيات المهنة. بينما العرب يريدون تخريج "هارد-ديسك" متنقل أعصابه تالفة من كثرة التخويف و التهديد و الوعيد و أسئلة الإختبارات التعجيزية.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق