قصة جميلة بمغزى رائع تناقلتها ألسنة العرب شفهياً ، كلٌ حسب لهجته و بيئته. سمعتها لأول مرة باللهجة العراقية "كاتل الكلب كِتلوه" (أقتلوا قاتل الكلب). القصة مكتوبة باللغة العربية الفصحى في عدة مواقع على الانترنت. لمن لا يعرفها ، مختصرها كالآتي...
يحكى أن هناك قبيلة كانت مستقرة على ضفاف نهر الفرات منذ القِدَم. نزحت بجوارها قبيلة جديدة. و في يوم ما ، دون سابق انذار ، رجل من القبيلة الجديدة قتل الكلب الذي كان يحرس أغنام القبيلة القديمة. لجأ وجهاء القبيلة القديمة إلى شيخهم أكبرهم سناً ليطلبوا منه المشورة لحل هذه الأزمة.
"كاتل الچَلِب كِتلوه" كانت إجابة الشيخ الفورية.
لم تعجبهم هذه الإجابة و لأسباب واضحة.
حتى أن "البعض" ظن بأن الشيخ بدأ يخرّف.
لأنها مصيبة إذا قتلنا إنساناً فقط لأنه قتل كلباً.
بعد بضعة أيام ، تحرّش البعض من شباب القبيلة الجديدة ببنات القبيلة القديمة.
و للمرة الثانية طلب وجهاء القبيلة رأي شيخهم ، الذي أفادهم بالإجابة نفسها: "كاتل الچَلِب كِتلوه".
و بعد حادثة التحرش بعدة أيام ، أغارَت القبيلة الجديدة ليلاً على القبيلة القديمة.
وجهاء القبيلة إجتمعوا مع شيخهم للمرة الثالثة. و هذه المرة نفذوا مشورته و قتلوا قاتل الكلب.
بعد قتل "قاتل الكلب" مباشرة ، زار وفد من القبيلة الجديدة القبيلة القديمة ، مبررين ما بَدَرَ منهم قائلين:
١. أحدنا قتل كلبكم لأنه ظن بأن كلبكم كان يخيف أغنامنا.
٢. و شبابنا الذين تحرشوا ببناتكم فعلوا ذلك بنيّة الزواج.
٣. أم عن الإغارة عليكم ليلاً ، ذلك لأننا كنا نلاحق لصوصاً اختبؤوا في مضارب قبيلتكم.
ليس بيننا و بينكم غير المودة و المحبة و الإحترام!
المغزى من القصة صريح. فالقوانين الجنائية و المدنية أصلاً موجودة من باب "مَن أمِنَ العقوبة أساء الأدب".
و بعدما رأى العالم أثر القنبلة النووية على هيروشيما و ناجازاكي ، تسابقت الدول العظمى على التسليح النووي لأنه سلاح رادع (Deterrent). فلا دولة تجرؤ على الإعتداء على دولة لديها سلاح نووي.
لكن على المستوى الإجتماعي ، قصة مثل هذه تعكس التدنّي الأخلاقي لبعض الأفراد و الجماعات. الشخص الطيّب المسالم الذي يبتعد عن المشاكل بطبعه ، عليه أن "يتحول" إلى وحش طويل اللسان و اليد. و إلا ضاع حقه و رآه الآخرون على أنه "ضعيف" و "لقمة سائغة". إحترام "النجري" صاحب المشاكل أصبح جزءاً من تراثنا. حتى في نقاشنا الروتيني نقول لبعضنا "إحترم فلان و لا تجادله لأنه عصبي و لسانه طويل و يحب المشاكل". بالرغم من تنبيه الحكماء لهذا السلوك الخاطيء (إتقِ شر الحليم إذا غضب).
إحدى صفات المجتمع "الراقي" إلتزام الناس بالأخلاق تلقائياً دون الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب (عامِل الناس كما تحب أن يعاملوك). كل من عاش في الغرب لاحظ كيف عامة الناس تصف في طوابير عند أي مكان مزدحم دون الحاجة إلى حارس أمن ينظّم هذه الطوابير.
و كيف المشاة في الممرات يفسحون الطريق للمستعجل الذي لديه أمر طاريء.
و كيف الذي يدخل المصعد يبقي الباب مفتوحاً للشخص الذي يليه.
و كيف الجالس في الباص يقف ليعطي مقعده للمرأة الحامل أو الشيخ العاجز.
و كيف مواقف سيارات ذوي الإحتياجات الخاصة لا تقف فيها غير سيارات ذوي الإحتياجات الخاصة.
و الذي لا يحترم الدور في الغرب عادة ما يكون من دول العالم الثالث!
حتى الشرطي في المدن الراقية (أشهرها لندن) لا يحمل معه مسدساً خلال أيام العمل العادية.
عندما نمدح أحداً نقول عنه أنه "محترَم".
و إذا إحتد الخلاف بين شخصين ، يقول أحدهما للآخَر "إحترم نفسك".
و من هنا يأتي معنى الإحترام. المحترَم يضع حدوداً لنفسه يقف عندها. بينما قليل الأدب ينتظر الغير لإيقافه عند حدّه.
عندما نمدح أحداً نقول عنه أنه "محترَم".
و إذا إحتد الخلاف بين شخصين ، يقول أحدهما للآخَر "إحترم نفسك".
و من هنا يأتي معنى الإحترام. المحترَم يضع حدوداً لنفسه يقف عندها. بينما قليل الأدب ينتظر الغير لإيقافه عند حدّه.
الحس الأخلاقي النابع من الداخل هو الإسمنت الذي يدعم وحدات بناء المجتمع الحديث. سياسة "كاتل الكلب كِتلوه" ربما كانت مفيدة في فترة الصراع من أجل البقاء بسبب الفقر و شح الموارد. لكن نمط حياة "الفتوّة" القائم على الإنتقام الفوري و أخذ الثأر المتوارث و تصفية كل الحسابات ، لا يستهلك في النهاية غير الفتوّة نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق