سؤال كان و لا زال يؤرق كل طالب في سبيل النجاة. الباحثون عن الحكمة أطلقوا على أنفسهم “فلاسفة”.
"الفلسفة" مشتقة من المفردة اللاتينية “فيلو-سوفي” (حب الحكمة). الماضين ربطوا الحكمة بالسن. و آخرون ربطوها بالدين. و البعض الآخر ربطها بالثقافة و العلوم و الذكاء الخارق.
"الفلسفة" مشتقة من المفردة اللاتينية “فيلو-سوفي” (حب الحكمة). الماضين ربطوا الحكمة بالسن. و آخرون ربطوها بالدين. و البعض الآخر ربطها بالثقافة و العلوم و الذكاء الخارق.
أهل لبنان يطلقون على الطبيب "حكيم".
فإذا بنينا صورة في أذهاننا من كل هذه الروابط ، خلال لحظات سنتصور رجلاً هرماً لحيته بيضاء طويلة. نظارة القراءة معلقة على رقبته. يمسك في يده كتاب كبير الحجم ثقيل الوزن و المضمون. الناس من حوله تناديه “دكتور فلان”. و إذا ناقشه أحد في أي موضوع فلسفي ، أجابه بعبارات معقدة بليغة جداً محشوة بالمصطلحات الفلسفية “الخاثرة” التي لا يعيها حتى زملاؤه الفلاسفة أنفسهم.
أنا لا أدعي الحكمة. بل و ليس لدي أدنى معرفة في علم الفلسفة.
حتى أنني حاولت قراءة كتاب الفلسفة (Textbook of Wisdom) و لم أتعدّ الصفحة الثالثة!
لكن لدي تفسير بسيط عن ماهية الحكمة وضعتها في إطار بسيط جداً للناس البسطاء أمثالي.
"الحكيم" بالمختصر المفيد هو الشخص الذي:
١. يعرف قوانين اللعبة.
٢. يصف الأمور كما هي.
٣. يرى الأنماط المتكررة و يتنبأ بها قبل وقوعها مرة أخرى.
٤. يعرف حدوده و يدرك مكانه و إمكانياته.
١. يعرف قوانين اللعبة.
في حياتنا الاجتماعية اليومية هناك قوانين لكل “لعبة". و من الطبيعي جداً أن “نلعب” مع أو على غيرنا. المقصود من “اللعبة" هنا البروتوكول أو العرف الاجتماعي الذي تقتضيه المهنة أو العلاقة. إدراك قوانين اللعبة لا يعني بالضرورة عدم الاستمتاع في اللعب. و إنما يعني أن الحكيم من يعرف ما له و ما عليه. على سبيل المثال...
على خشبة المسرح...
الساحر يخرج الأرانب من قبعته و يقسم الفتاة التي معه بالمنشار إلى نصفين دون إلحاق أي ضرر بها. الأطفال ينبهرون و ربما يصدقون هذا السحر. بينما جمهور البالغين يضحك و يستمتع و يصفّق بالعرض لأنه يشاهد خدع بصرية ترفيهية.
و المليونير...
إبن التسعين عاماً عندما يتزوج بنت يتيمة فقيرة عمرها ١٨ عاماً ، هو يدرك جيداً بأنه ليس فتى أحلامها.
هي تزوجته لإفتقادها حنان الأب (أو حنان الجد) أو لأنها قريباً ستصبح أرملة و ترِث الملايين!
القصص الخيالية...
مثل "هاري بوتر" و "سيد الخواتم” و "حرب النجوم" مجرد قصص غير حقيقية.
لكنني أستمتع بقراءتها بالرغم من معرفتي بأنها من نسج خيال الروائيين الذين ألفوها.
المضيفة الجميلة...
تقدم لي الفوطة المعطرة و هي تبتسم على متن الخطوط الجوية.
و أنا أعلم أنها ليست معجبة بوسامتي الأخاذة و طولي الفارع و صلعتي اللامعة.
و إنما إبتسامتها مجرد جزء من وظيفتها.
الكنـّة (زوجة الإبن)...
إذا تواصلت مع أهل زوجها قالوا عنها "دعلة". و إذا ابتعدَت عنهم قالوا عنها "قاطعة الأرحام".
إذا شاركت أهل زوجها فرحهم قالوا عنها "لماذا تشاركنا الفرح؟"
و إذا شاركتهم الأحزان قالوا عنها "لماذا تشاركنا البكاء؟ الفقيد فقيدنا نحن".
إذا أدركَت الكنة قوانين اللعبة عرفت أنها ستظل غريبة و مكروهة في نظر أهل زوجها مهما فعلت.
٢. يصف الأمور كما هي.
بمعنى أنه لا يصف الأمور كما يتمناها أو يراها أو يحس بها.
المتفائل يصف الكأس بأن نصفه ممتليء. المتشائم يصف الكأس بأن نصفه فارغ.
بينما الحكيم يصف الكأس على أنه ٥٠٪ ممتليء و ٥٠٪ فارغ.
الرجل الخليجي...
في نظر والدته:وائل كفوري.
و في نظر أبنائه: سوبرمان.
و في نظر زوجته: جيمس بوند.
فإذا وصف نفسه على أنه مجرد "أبو سروال + فانيلة" ، فمعناها أنه حكيم!
الجاهل يقول…
كل المواطنين من الدولة الفلانية نصابين.
و كل أتباع الدين أو المذهب العلاني مجرمين.
و كل هؤلاء أغبياء لأن لون بشرتهم يختلف عن لون بشرتنا.
بينما الحكيم يرد عليه…
كل دولة فيها الشريف و النصاب.
كل دين و مذهب فيه المعتدل المسالم و المتطرف العنيف.
و كل عِرق و سلالة و جنس فيها الغبي و العبقري.
٣. يرى الأنماط المتكررة و يتنبأ بها قبل وقوعها مرة أخرى.
إذا رميتَ الصخرة عالياً ، فمصيرها حتماً الوقوع على الأرض.
و اذا أشرقت الشمس من الشرق اليوم ، فأغلب الظن سشترق من الشرق غداً أيضاً.
الحكماء يعلمون بأن السلوك الانساني يتكرر في كل زمان و مكان.
و إذا تكرر السلوك الخاطيء ، ستتكرر النتائج الخاطئة!
الغبي أو المتخلف هو من لا يغير سلوكه ، و يتوقع نتائج مختلفة!
٤. يعرف حدوده و يدرك مكانه و إمكانياته.
بينما نظيره المخضرم الذي أجرى ١٠ آلاف عملية يصير متواضعاً؟
كلما تقدم الانسان في علمه و إطّلاعاته و خبرته و قارن نفسه بمن حوله ، كلما أدرك حدوده و فهم قصوره و بالتالي زادت حكمته. هذا ما يسمّى بالبصيرة (Insight). ربما هذا يفسر أحياناً إقتران الحكمة بكبر السن. في المقابل ، أعلى معدلات النرجسية والعنصرية و كره الغرباء (Xenophobia) نراها في المجتمعات المغلقة والمعزولة عن العالم.