يبحث علم الأحافير عن كائنات حية سادت ثم بادت. المميز في البعض منها أنها بقيت محفوظة بين طبقات الأرض و لم تتحلّل. ربما أشهرها الحيوان الشبيه بالفيل المسمى "الماموث". حيوانات الماموث عندما انقرضت حُفِظَت في الجليد بكامل لحمها و عظمها و شعرها ولم تتحلل. هنا يأتي التشبيه بالعينة المحفوظة (The preserved specimen).
يتغرب المواطن العربي في لطلب الرزق أو العلم. ليجد ضالته المنشودة في دول الغرب. لكن الحياة في الغرب غير محصورة فقط في طلب العلم. إذ تسنح الفرصة للمغترب لإكتساب صفات فكرية غربية ربما تحتاجها العقلية العربية (و تحتاجها بشدة) منها للمثال التواضع و المساواة و الشغف في العمل و روح الفريق والتعددية العرقية.
من ما لاحظته من إحتكاكي ببعض العرب في الغربة بأنهم يحرصون (بشكل إرادي أو عفوي) للإحتفاظ بعقليتهم العربية والتفاني في الدفاع عنها مهما كان الثمن و مهما طال الزمن. منهم من يعيش في الغرب لسنوات طويلة دون ممارسة لغة أهل البلد الذي أمضى أحلى سنوات عمره فيه و تخرج منه. قابلت بعض العرب المقيمين هنا في إقليم "كيبيك" الناطق باللغة الفرنسية منذ سنوات و لا يتحدثون اللغة الفرنسية إطلاقاً !
هذا الانسان العربي المغترب بشكل عام. لنرَ الآن الرجل الخليجي بشكل خاص. الخليجي في بلده يتسم ببعض أو كل السمات الآتية:
١. نشاطه البدني يتضاءل تدريجياً كلما كبر في السن.
ليصل إلى أدنى مستوياته بعد الزواج. لذلك يفضّل قضاء حوائجه بالسيارة حتى لو كانت مشاويره قريبة.
بالنسبة له الرز (بالكويتي: العيش) هو عصب الحياة.
و الكرش رمز النعمة و الخير.
٢. المساواة مرفوضة بأي شكل من الأشكال وعلى كل المستويات.
فالكبير في السن أفضل من اليافع.
و الذكَر أفضل من الأنثى.
و الحُر أفضل من العبد.
و العربي أفضل من الأجنبي.
و قبيلته/عائلته أفضل من القبائل/العوائل الأخرى.
حتى بين أبناء قبيلته/عائلته أنفسهم ، ابن المرأة العربية أفضل من ابن المرأة الأجنبية.
و إبن الحرّة أفضل من إبن العبدة/الخادمة. (في الحوار الدارج ، الإبن المنبوذ بين اخوته يصف نفسه مجازاً على أنه "إبن العبدة").
و البشرة البيضاء أفضل من البشرة البنية أو الصفراء أو السوداء.
هذا غير الطائفية ، فأتباع مذهبه أفضل عنده من أتباع المذاهب الأخرى.
٣. المظهر الخارجي أهم بكثير من الجوهر.
لا ضير هنا في تطوير الجوهر ، ولكن المظهر الخارجي له الأولوية دائماً.
و بالمظهر لا أعني به حسن الهندام فحسب ، وإنما بالهيبة و الكاريزما و الحضور و اللقب (دكتور/بروفيسور/صاحب المعالي..الخ).
٤. حب القوة بحد ذاتها و احترامها من سمات العرب.
بغض النظر عن ما إذا كانت خيّرة أو شريرة. فالقوي محبوب لأنه مهيمن ، لا يجرؤ أحد على عراكه أو مساومته أو نقاشه. بينما الطيّب منبوذ لأنه "ضعيف" لا يحب المشاكل ولا يفضّل جذب العداوات. ربما هذا السبب الرئيسي لوجود العديد من محبي المقبور صدام حسين في العالم العربي إلى يومنا هذا.
٥. الخليجي يؤمن بالميتافيزيائيات والخرافات والسحر و بشدّة.
لذلك يقضي كل حوائجه بالكتمان الشديد.
زوجته تحبل و تلد بالسر. و يترقى في عمله بالسر. كل ذلك خوفاً من الحسد.
أما إذا نزلت عليه مصيبة ، مهما كان حجمها ، فسببها بالتأكيد "عين ما صلّت على النبي".
أما إذا حصل خلاف بينه و بين أهله ، أو كان مزاجه متعكراً في يوم من الأيام ، أو كان جسده واهناً ، فذلك بالتأكيد بسبب "سحر".
و إذا كان يحب زوجته و يعشقها ولا يستطيع العيش بدونها ، فذلك بالتأكيد لأنها إستعانت بساحر ليعمل لها "عمل" تربطه به.
يسافر الخليجي الى دول الغرب بهذه العقلية "الفريدة من نوعها" ، ليجد نفسه في عالم غريب عليه ، كأنه "ألِيس في بلاد العجائب" (Alice in Wonderland). يجد نفسه بين ناس متعددة الأعراق و الألوان و الأديان. يجمعها عامل المصالح المشتركة فقط. الغرب سئم من العقلية السطحية التافهة التي تستنزف طاقة الناس دون جدوى. حتى لو كانت رواسبها لا تزال تحت السطح.
يلاحظ الطالب الخليجي في "بلاد العجائب" رئيسه "البروفيسور جوزيف" (الكل يناديه "جو" Joe) يذهب الى الجامعة مبكراً قبل كل الطلبة كل يوم. مرتدياً ملابس متواضعة (كاجوال Casual). عندما يلقي "جو" محاضراته ، يبدأ كل درس بعبارة "ربما أكون مخطئاً ، ولكن...". الجدير بالذكر هنا أن "جو" من أصل أوروبي أبيض البشرة أزرق العينين. و زوجته سمراء عيونها مسحوبة ، أصولها كورية/هندية.
ينبهر هذا الخليجي أكثر عندما يتمشى في الشارع في الصباح الباكر ليرى رجالاً و نساء أعمارهم فوق الستين سنة يهرولون يومياً.
في البقالات ، أسعار السجائر مبالغ فيها. و السن القانوني الأدنى للتدخين ٢٥ سنة. الأماكن العامة و الخاصة التي تسمح بالتدخين قليلة.
في أي مكان مزدحم بالزبائن (مثلاً شباك التذاكر / الكاشير في الأسواق) الناس تقف تلقائياً منتظمة في طوابير. دون الحاجة لرجل أمن أو مسئول لتنظيم وتقنين هذه الطوابير. الغربيون تعلّموا بالتجربة أن الكل سيحصل على ما يريده بالتنظيم.
و بالرغم من معايشة هذه "العجائب" لسنوات طويلة ، يتخرج صاحبنا العربي أبو العناتر ليرجع الى الخليج مرفوع الرأس. مصطحباً معه "درزن" من الشهادات اللامعة في إطارات ذهبية. يعلقها في مكتبه للتباهي ونفش الريش. بينما عقليته "عينة محفوظة" هي نفسها لم تتغير أبداً.
- كرشه يمتد أمامه كأنه إمرأة حامل في شهرها التاسع. لأن الكرش رمز النعمة.
- آخر من يداوم و أول من يرجع بيته.
- لا يرضى أن يناديه أحد بإسمه دون ألقاب (دكتور / بروفيسور .. الخ).
- يرتدي أفخر الملابس دائماً في كل الأوقات ، كأنه سفير في مهمة دبلوماسية أو "جيمس بوند"!
- لا يزال ينظر إلى "كومار الهندي" على أنه دون البشر ، حتى لو كان "كومار" هذا مليونيراً أو عالِماً.
- لا يزال ينظر إلى المرأة على أنها مخلوقة فقط لخدمة الرجل. حتى لو كانت هذه المرأة أمه و أخته و إبنته.
- لا يزال ينتفض خائفاً عند سماع حديثاً عن الجن و العفاريت ، مردداً بعد انتفاضته عبارة "سكّنهم بمساكنهم".
- لا يزال يعظّم القوي فقط لأنه قوي. حتى لو كان هذا القوي ديكتاتور طاغية مجرم. يترحّم مثلاً على صدام حسين لأنه قتل "الشيعة المجوس" و يعشق هتلر لأنه حرق "اليهود أحفاد القردة و الخنازير".
أحيّيك يا ابن الصحراء.
في النهاية لا فرق بينك و بين ابن بلدك الذي لم يتغرّب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق