الأحد، 6 أكتوبر 2013

خلك عربي

أولاً و قبل كل شيء أريد أن أوضّح نقطة مهمة جداً: لستُ خبيراً في علم اللغات.
أنا كنت (ولا زلت) تلميذاً لديه اهتمام خاص باللغة كوسيلة للتواصل بين البشر. إهتمامي باللغة يمتد إلى جذورها و كيفية نشوئها و صياغتها و هيكلتها و علاقتها بتراث و عادات و تقاليد الأمم. في هذا المقال أعرض ملاحظاتي الشخصية المتواضعة عن تركيبة لغات الغرب و مقارنتها بلغتي الأم. 

منذ نعومة أظفاري كنت ألاحظ المثقفين من أبناء مجتمعي (خصوصاً المتخرجين من الغرب) تفضيلهم للحديث باللغة الإنجليزية. حتى عندما يتكلمون العربية ، بين كل عبارتين عربيّتين هناك مصطلحاً باللغة الإنجليزية (ما يسمّيه البعض "فرانكو آراب"). البعض يتحدث بهذا الأسلوب لا إرادياً. و البعض الآخر يتعمد التشدّق بهذه الطريقة ليستعرض للناس ثقافته الإنجليزية. و منهم من يلوي لسانه ليتحدث الإنجليزية بلكنة الدولة التي درس فيها. خصوصاً اللكنة الأمريكية.   

إخواننا الأساتذة العرب الذين وُلِدوا في بلدان كانت تحت الإستعمار الفرنسي زادوا علينا الطين بلّة. لأنهم عندما جاءوا للعمل في دول الخليج العربية نشروا لهجاتهم و آدابهم و ثقافتهم المتأثرة بطبيعة الحال باللغة الفرنسية. عندهم "المثقف" هو من يتحدث الفرنسية بطلاقة. نفس وضع المثقف في مجتمعنا عندما يتحدث الإنجليزية بطلاقة. حتى في لهجتنا الخليجية مفردات فرنسية الأصل اقتبسناها من أساتذتنا هؤلاء. كلمات مثل "فيشة" و "فترينة" و "فاتورة" و "شفرة" و "جرسون" و "كوافيرة".  

حالتي لم تكن إستثنائية بأي حال من الأحوال. لقد أمضيتُ سنوات الجامعة في إيرلندا. حيث درستُ الطب باللغة الإنجليزية. و لأنني كنت و لا زلت أحب القراءة ، ثقافتي غير الطبية كانت باللغة الإنجليزية بشكل رئيسي. للأسف ليست كل الكتب الإنجليزية تُتَرجَم إلى العربية، بالرغم من المجهود الأسطوري الذي تبذله بعض المكتبات العربية في الترجمة. ربما لأن العرب لا يحبون القراءة مقارنة بغيرهم من الناس. 

وقت كتابة هذا المقال كنت أعيش في مونتريال. مدينة تقع في إقليم "كيبيك" الكندي الناطق باللغة الفرنسية. قررت دراسة الفرنسية لأن بعض المرضى لا يتحدثون إلا بالفرنسية و هذا من حقهم. طبعاً أدرس لغة جديدة من الصفر وعمري في نهاية الثلاثينات ليس شيئاً سهلاً. لكنني أعتبرتها تجربة جميلة و فريدة من نوعها.  دراسة لغة عالمية جديدة ربما ستنفعني في المستقبل القريب و البعيد.  دراسة اللغة الفرنسية من الصفر فتحت لي آفاقاً جديدة و منحت لغتي العربية بُعداً جديداً. ذلك لأنني و بصراحة لم أدرك درجة جمال لغتي إلا بعدما قارنتها بلغات أوروبا. 

"اللغة" في رأيي المتواضع هي وسيلة للتواصل بين البشر. لذلك يُستَحسن لها أن تكون سهلة التعلّم ، دقيقة في وصف الأمور و نقل المعلومات ، و الأهم أن تكون صوتية. (صوتية phonetic بمعنى أن المكتوب هو نفسه المنطوق).

كل اللغات الأوروبية حروفها إما لاتينية أو إغريقية أو خليط من الإثنين. بعد تعلّم و ممارسة أي لغة أوروبية لاحظت الآتي:

١. حروف ليس لها أهمية. 
على سبيل المثال في اللغة الإنجليزية: ما هي أهمية حرف "c" ؟ هذا الحرف أحياناً يُنطَق "ك" و في أحيان أخرى يُنطَق "س". إذاً ما فائدة الحرفين "s" و "k"؟

نفس المشكلة في حرف "x".
لا نحتاجه لأنه خليط من "s" و "k".
في بداية الكلمة يُنطَق "z". ولكن حرف "z " موجود أصلاً في الأبجدية.

و بعض الحروف تُدمَج لعمل حروف جديدة ، مثلاً حرفي "s"  و "h" صوتهما  "ش"
و حرفي "th" و "" صوتهما إما "ت" أو "ث".
و حرفي "ph" و "" صوتهما "ف" بالرغم من وجود حرف "f" في الأبجدية اللاتينية !

الحق يقال بأن الأمريكان حلّوا بعضاً من هذه العيوب بإضافة تعديلات بسيطة في اللغة الإنجليزية لجعلها صوتية أكثر (fone بدلاً من phone)، و لكن الإنجليز إستاؤوا من هذه المبادرة الأمريكية و اتهموا الأمريكان بتشويه لغتهم الإنجليزية "الجميلة"!

٢. ضعف اللغة الإنجليزية في دقة الوصف و نقل المعلومات لقلّة مفرداتها.
على سبيل المثال ، كلمة "uncle" تعني عم أو خال.
و كلمة "consin" تعني إبن/إبنة العم أو إبن/إبنة الخال.

٣. بعض المفردات لها معانٍ متعددة غير مترابطة. 
فكلمة "vice" تعني "عادة سيئة" و تعني "نائب" أيضاً.

نائب الرئيس "vice president" 
التدخين عادة سيئة "smoking is a vice"  

حالياً أنا أدرس اللغة الفرنسية من الصفر (مستوى مبتديء). و بالرغم من ان فرنسا كانت امبراطورية نافست بريطانيا في استعمار العالم في قديم الزمان، و من الفرنسيين من غيروا العالم بعلومهم و آدابهم ، إلا أن الفرنسية لها كبواتها و قصورها.

١. اللغة الفرنسية محدودة المفردات. 
في الفرنسية مثلاً الفعل "يقصد" غير موجود. 
"ماذا تقصد؟" ترجمتها الفرنسية الحرفية "مالذي تريد قوله؟ Que voulez-vous dire"

٢. اللغة الفرنسية غير دقيقة في الوصف.
المعنى مفهوم من سياق الحديث. مثلاً كلمة "mal" بالفرنسية تعني "مرض" أو "مؤلم" أو "سيء".

٣. اللغة الفرنسية غير صوتية إطلاقاً. فالمكتوب شيء و المنطوق شيء آخر !
سؤال "ماذا تقصد؟" المذكور أعلاه "Que voulez-vous dire" ننطقها "كي ڤولي-ڤو دير".
  
خمّنَت بعض الدراسات بأن الأطفال الإيطاليين اللذين يعانون من الديسليكسيا (مرض صعوبة القراءة) ربما مشاكلهم في القراءة أقل من نظرائهم من الأطفال الفرنسيين لأن أكثر لغة أوروبية "صوتية" هي اللغة الإيطالية.

٤. كل الأسماء في الفرنسية لها جنس. إما مذكر أو مؤنث.
يجب حفظ الأسماء مع جنسها. ولا توجد قاعدة معينة لحفظ الجنس.

المذكر يبدأ بكلمة "Le" و المؤنث بكلمة "La".
بالنسبة للجماد ، "Le" أو "la" قد يغيّر معنى الكلمة.  

مثلاً  "Le livre" معناها "كتاب" و "La Livre" معناها "رطل" (وحدة الوزن).

٥. الأرقام الفرنسية و الإبداع في التعقيد !
الأرقام الفرنسية تسلسلية و متتالية مثل أي لغة.
إلى أن نصل الى الرقم "سبعين" ، هنا يبدأ اللف و الدوران. 

باللغة الفرنسية هكذا تُلفَظ الأرقام التالية (٦٠ ، ٢٠ ، ١٠ ، ٤): 

٦٠ : سواسان      /    ٢٠ : ڤان      /    ١٠ : دِس     /     ٤ : كاتر

الأرقام ٧٠ و ٨٠ و ٩٠ ليس لها مفردات في اللغة الفرنسية.

لذلك الفرنسيون ركّبوا مفردات قديمة لتكوين مفردات جديدة. 

سبعين : ستين + عشرة                 (بالفرنسية: سواسان دِس). 
ثمانين : أربعة x عشرين               (بالفرنسية: كاتر ڤان). 
تسعين : أربعة x عشرين + عشرة   (بالفرنسية: كاتر ڤان دِس). 

هذه ملاحظاتي عن الفرنسية حتى الآن. و أنا لازلت في بداياتي في تعلّم هذه اللغة.

الغرب لا يزال في المقدمة في مجالات الثقافة و العلوم و التكنولوجيا. لذلك لا أنكر بأن اكتساب اللغات الغربية له ميزاته العديدة.

 لكن قبل أن"يتفلسف" على رأسك أي مواطن عربي بثقافته الفرنسية أو الإنجليزية ، ليدرك بأن لغته الأم معانيها أعمق و وصفها أدق من كل لغات أوروبا. 

إذا تمعّنتَ في اللغة العربية ستلاحظ أنها لغة "مُهَندَسَة" و بدقة. و كأن مجموعة من العقول النيّرة قد إجتمعت على طاولة واحدة قبل مئات السنين لتضع  أساسيات و قواعد اللغة العربية لجعلها أنيقة مرتبة صوتية. لكن "عبقرية" من هندسَ لغتنا لا يعني بالضرورة "ذكاء" المتحدثين بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق