الثلاثاء، 16 أبريل 2013

خلك حُر


تعريف الإرادة الحرة (Free Will): 
القدرة على اتخاذ القرار بحكمة و اتزان و حياد بدون أي تأثيرات أو ضغوطات ، داخلية كانت أو خارجية. 

يقول بعض الأعلام في علم الأعصاب و علماء النفس بأن الإرادة الحرة "وَهْم"  (illusion) بمعنى أنها موجودة في خيالنا فقط. عبارة كهذه مستفزة للكثير من الناس (و أنا منهم). ربما أكثر الناس قابلية للإستفزاز هم رجال الدين. لأنهم بمجرد سماع هذه العبارة سيرفضون و بعنف مبدأ أن الإنسان  مسيّر و ليس مخيّر. 

قبل الخوض في هذا المجال (و قبل هجوم المحافظين والمتدينين) لنضع النقاط على الحروف: "وهم الإرادة الحرة" لا يعني أن الناس غير مسئولة عن تصرفاتها. و لا يحمي الفرد من التبعات القانونية و العقوبات الجزائية عند ارتكاب مخالفة أو جريمة أو جنحة. 

لنتأمل موضوع الإرادة الحرة في حياتنا اليومية...

١- العرق الدساس و الإرادة الحرة
ابن العصبي عصبي و ابن الحليم حليم.  
ابن الناجح ناجح و ابن الفاشل فاشل.
ابن العبقري عبقري و ابن الغبي غبي !
و ابن المثابر ... مثابر. 
قال المثل المصري: إبن الوز عوام.

مثلما نرث من أسلافنا صفاتهم الجسدية ، نرث منهم طباعنا الشخصية أيضاً. 

و لأن الإنسان يتكاثر تزاوجياً (بعكس البكتيريا مثلاً) ، و شرط التزاوج أن لا يكون بين أقارب الدرجة الأولى. هذا بحد ذاته بوليصة تأمين بيولوجية تضمن التنويع في طباع الذرية. لكن بالرغم من ذلك ، نحن نرث من الوالدين صفات سائدة و متنحية. و الصفات السائدة بتعريفها تتغلب و تطغى. فكما نرى الرجل القبيح يتزوج إمرأة جميلة و كل أولادهم يشبهون الأب، نفس المنوال في وراثة الطباع!

حتى -فرضاً-إذا أراد ابن الفاشل أن يكون ناجحاً (عكس أبيه)، سيجد عقبة في الإستيقاظ مبكراً كل يوم. و سيواجه التحدي في الإلتزام بالدراسة و بساعات العمل. عقبات كهذه لا يواجهها الناجح. لأن الإستيقاظ مبكراً و الإلتزام من طبعه الغريزي (المثل يقول: بوطبيع ما يجوز عن طبعه). نفس الحال ينطبق على ابن الغبي إذا أراد أن يصبح عبقرياً. فالصفحة الذي يقرؤها و يستوعبها العبقري في خمس دقائق ، ربما يقرؤها الغبي في ساعة كاملة ولا يستوعبها. 

٢- الطبع المكتسب و الإرادة الحرة. 
ليس سراً ولا مفاجأة إذا قلت بأن تجاربنا السابقة في حياتنا تؤثر على شخصياتنا و بالتالي قدرتنا على اتخاذ القرارات. بطبيعة الحال كل الأحداث التي نعاصرها اليوم ستشكّل سلوكياتنا في المستقبل مثل العجينة عند الخبّاز. فالشخص الذي عانى في الماضي من التفرقة على أسس عنصرية أو دينية لا يزال يتحسس من هذه التفرقة في الحاضر حتى لو تغيرت عقلية المجتمع و أصبحت الغالبية من الناس متحضرة و متسامحة.

ليس غريباً على المرأة إذا مرّت بتجربة زواج فاشلة أن تكره كل الرجال. 

و ليس غريباً على الطفل اللقيط أن يترعرع و هو ناقم على المجتمع لأنه "مذنب" بسبب جريمة لم يرتكبها.

وليس غريباً أن أؤمن بالسحر والشعوذة و الخرافات إذا كنت أنا مولوداً في مجتمع يؤمن بهذه الأمور.

انظر الى شخصية الطالب الجامعي المحبط الذي عانى الكثير دون داعي. فقط لأن أستاذه في الجامعة كان منحط.  

و انظر الى شخصية كل من عانى من التعذيب العراقي البعثي. سواء كان هذا الشخص من العراق أو إيران أو الكويت.

٣- الهرمونات و الإرادة الحرة
"عقولنا صغيرة و غددنا الصماء كبيرة". كريستوفر هيتشنز.

الغدة الصماء هي الغدة التي تفرز الهرمونات. فالغدة النخامية (رئيسة الغدد الصماء) مثلاً ، تفرز مجموعة من الهرمونات منها هرمون النمو. الهرمونات تؤثر و بشكل كبير على شخصياتنا و هذه حقيقة علمية. 

مثال ١: عند الحمل تتحوّر الهرمونات الأنثوية (ايستروجين + بروجسترون) و المرأة الحامل بالتالي تصبح أكثر حساسية و عواطفها جياشة. هذه التغيرات الهرمونية تحدث بشكل دوري قبل الدورة الشهرية (الطمث).

مثال ٢: هرمون الرجولة (تستوستيرون) يعطي للرجل صفاته الرجولية. الجسدية منها و النفسية ، لذلك لاعب كمال الأجسام الذي يتعاطى حقن التستوستيرون عضلاته تتضخم و سلوكه أيضاً بالمقابل يزداد عدوانية.

و هناك مئات الهرمونات الأخرى تفرزها غددنا لتتحكم في طباعنا و سلوكياتنا لا يغطيها هذا المقال.

إذا حدث أي اختلال في افراز هذه الهرمونات (إفراز زائد أو ناقص) فأعراض هذا الاختلال ينعكس على سلوك المريض نفسه و هذه حقيقة. إسأل أي مريض يشكو من داء السكري: ماذا يحدث لشخصيته إذا هبط معدل السكر في دمه؟ 

٤- المزاج والوضع الإجتماعي و الإرادة الحرة. 
لا تقرر و انت غاضب. 
لا تعطي وعوداً و انت فرحان. 
لا تفكر و أنت جائع.  

نسمع آلاف النصائح من هذه النوعية يومياً وفي كل وسائل الإعلام. نسمع عن الذي طلّق زوجته في حالة غضب و ندم بعد ذلك. و نسمع عن الذي سجّل كل أملاكه بإسم عشيقته و عض على أصابع الندم بعد تلبية شهواته الجنسية. 

غير ذلك...
- قرارات الغاضب تختلف عن قرارات الحليم.

- قرارات الغني تختلف عن قرارات المحتاج. 

- قرارات المليونير تختلف عن قرارات المفلس. 

- قرارات القوي تختلف عن قرارات الضعيف.

- قرارات المتألم تختلف عن قرارات المرتاح (مفعول التعذيب في المعتقلات).

- قرارات المواطن تختلف عن قرارات المقيم.

- الأهم (والأخطر) من ذلك كله: قرارات اليائس تختلف كل الإختلاف عن قرارات المتعلق بالأمل. 

حكمة في الصميم بهذا الخصوص قالها المصريون: "دخول الحمّام مش زي خروجه".

بالملخص ، سؤال المليون
إذا كانت إرادتنا "الحرة" تعتمد على:
تركيبتنا الوراثية
و خبرتنا + تجاربنا السابقة
و هرموناتنا
و مزاجنا
و وضعنا الإجتماعي...

فأين الإرادة الحرة في الموضوع؟ 
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق