الاثنين، 19 مايو 2014

خلك هندي

"غلام". ربما أشهر هندي في التراث الكويتي

ليس سراً أن الجنسية الهندية أصبحت رمز الغباء في دول الخليج العربية.

أنا لن أتكلم عن حضارة الهند العريقة. و لا عن عباقرتها و أثريائها. و لن أتطرق لبرنامج الهند الفضائي لإستكشاف و غزو كوكب المريخ. و لا حقيقة الهند كدولة نووية لها وزنها الدبلوماسي بين الدول العظمى. و لا حتى كونها أكبر دولة ديمقراطية في العالم. كل هذه المواضيع متوفرة في الإنترنت لمن يريد البحث عنها.  

هذا المقال يتناول فقط "غلام". الخادم الهندي الفقير الذي ترك بلده ليعمل "صبي" أو "سائق" في البيت الخليجي. الهند شبه قارة. تعداد سكانها يفوق المليار نسمة. فيها طبقة من الشعب -فلاحين عادةً- تحت خط الفقر. غلام ينتمي لهذه الطبقة. 

غلام الذي يسافر إلى الخليج للمرة الأولى لا يمكن وصفه بالغبي أو المغفل للأسباب التالية...

 ١. الحصول على فرصة للعمل في الخليج صعبة جداً وسط التنافس الشديد هناك. الغبي لا يجد لنفسه مكان وسط هذا التنافسالذي لا يرحم.   

٢. خلال السنة الأولى في الخليج ، يتعلم غلام الفلّاح أساسيات اللغة العربية من الصفر و بدون دورات لغة. بعض الهنود يتحدثون العربية و بفصاحة في نهاية سنتهم الأولى. أنا أعرف أطباء عرب عاشوا سنين طويلة في دول الغرب و لم يتعلموا لغة أهلها! 

٣. بسبب الفرق الكبير في العملة ، الراتب الزهيد الذي يتقاضاه غلام في الخليج يُعَد ثروة في بلاده. لذلك تراه يعمل لسنين طويلة و بصمت. غلام إقتصادي إلى أبعد الحدود. يرتدي فقط ملابس معزّبه المستعملة القديمة. يكلّم أهله هاتفياً عن طريق واي-فاي المنزل (المجاني). بينما يبعث "المقسوم" كل شهر إلى أهله. إما ليصرف على تعليم أولاده ، أو ليسدد أقساط بيته ، أو حتى ليشتري عمارات في بلده! بينما هو في الخليج يتصل على جوال "المعزب" من الهاتف الأرضي كي لا يكلف نفسه من جواله الشخصي.  

٤. الهنود مدمنون للعمل بطبيعتهم (Workaholic). لا أدري إن كان إدمانهم للعمل سببه ضيق معيشتهم أم لصفة وراثية فيهم. لكن غلام لا يمانع العمل ١٨ ساعة يومياً طول السنة و بدون عطلة. هذه الصفة جعلت الهنود البديل الأمثل للمواطنين و المقيمين العرب في شتى الوظائف. إدمانهم للعمل و إكتسابهم السريع للمهارات الجديدة جعلهم يقلبون الموازين و بنجاح. إذ أن المعازيب أصبحوا بحاجة إليهم و ليس العكس.    

٥. راتب غلام ثابت في كثير من الأحيان. لأن أكثرنا لا يفهم آلية الحوافز المالية. لذلك غلام يتظاهر بالغباء (يستعبَط) كي لا يقوم بخدمات إضافية أكثر من تلك المطلوبة منه. لأن راتبه آخر الشهر واحد لا يتغير. 

٦. غلام يبتسم و يتظاهر بالخضوع لمعازيبه بالرغم من إساءتهم المستمرة له. هو في الواقع لا يرى نفسه ذليلاً. و إنما هو يختار المعركة المناسبة و بحَذَر. لأن الحكيم لا يورّط نفسه في معارك خاسرة. التظاهر بالذلّة يحمي لقمة عيشه و يرضي المعازيب عنه. كلها مسألة وقت و يثبت غلام نفسه بإنجازاته (كونه مدمن للعمل) ، و الموازين مصيرها ستنقلب و المعزّب سيذل نفسه لغلام كي لا يستقيل و يرجع الهند. خصوصاً أن تكاليف إستقدام الخدم في تزايد. 

٧. كل الشعوب الكادحة تدرك بأن الدنيا كفاح. بمعنى أن كل إنجاز له ثمن و تضحية. كما يقول المثل الإنجليزي "لا يوجد غداء مجّاني" (There is no such thing as a free lunch). أو كما يقول المصريون "محدّش ياكُلها بالسّاهل". هذا الأمر عرفه أجدادنا جيداً. لكننا نسيناه نحن في عهد الرخاء النفطي. صحيح غلام يخدم و يتعب ، لكنه في المقابل يتعلم مهارات جديدة خلال خدمته (إكتساب لغة ،  قيادة سيارة ، طبخ ، تدبير منزلي...الخ) تجعله سلعة مطلوبة إذا ما قدّم على وظيفة أخرى في بيت آخر.     

بعد كل هذا السرد ، هل لا زلت تعتبر نفسك أذكى من الهندي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق