الخميس، 29 سبتمبر 2011

الاستشاري السكة

هذا المقال يلخص خبرتي المتواضعة مما لاحظته من سلوكيات لبعض الأطباء الاستشاريين خلال السنوات العشر السابقة. لأسباب مهنية و قانونية لن أذكر اسم أي شخص. لأن الغرض من هذا المقال التنوير لا التجريح. إستياء بعض الأفراد من محتوى هذا المقال نابع من مبدأ "اللي على رأسه بطحة يحسّس عليها" و إستياء كهذا من ناس كهؤلاء لست مسئولاً عنه.

يتربّع الطبيب الاستشاري على قمة الهرم الغذائي بين الأطباء ، و واجب على كل طبيب ناشئ أن يعرف شخصية استشاريه في العمل. هذا المقال موجّه أساساً الى زملائي الاطباء حديثي التخرج من كلية الطب. الغرض منه التأهب النفسي للقاء فئة "باغية" من الإستشاريين، وجودها "عار" على مهنة الطب التي هي بطبيعتها مهنة إنسانية بطبيعتها ، وتفادي هذه الفئة "الباغية" قدر الامكان.

يتكون العالم من ستة مليارات انسان. لكل انسان طباعه الخاصة التي تميزه عن غيره. و لكننا في وظيفتنا نستطيع أن "نختزل" شخصيات الاستشاريين في أربعة خانات رئيسية:

1. الإستشاري "القـدّيـس"
2. الإستشاري "الطبيعي" أو "العادي"
3. الإستشاري "الاجتماعي"
4. والإستشاري "السكة" ، الذي حوله يتمحور هذا المقال


1. الإستشاري "القـدّيـس"هذا النوع من الأطباء عملة نادرة جداً. فهو متفوق في دراسته ، متفان و شغوف في عمله ، حريص على تدريب الأطباء الناشئين ، حريص على مصلحتهم. متواضع جداً بالرغم من انجازاته العلمية الجبارة.
إذا كان القديس مديراً لبرنامج تدريبي، ترى برنامجه من أنجح البرامج على الإطلاق. إذا كان رئيسك من هذا النوع، تشبث به بالنواجذ! وانصح كل زملائك بملازمة هذا الانسان لأن معرفته بحد ذاتها مكسب.

2. الاستشاري "الطبيعي" أو "العادي".
استشاري من هذا النوع "طبيعي" بمعنى أنه يتماشى مع العرف العام في بيئة العمل. فهو يبتسم اذا سمع نكتة مضحكة و يعبس اذا سمع خبراً سيئاً. لا يمانع ان يدرّسك اذا كان لديك سؤال أو استفسار. لديه محاضرتين او ثلاث في السنة ، حسب الطلب. يواكب تكنولوجيا العصر ، لديه هاتف نقال ذكي (بلاك بيري او آيفون أو ما شابه) يتواصل فيه مع زملائه. لايمانع ان يعطيك رقم هاتفه إذا طلبتَ منه ذلك.

3. الاستشاري "الاجتماعي"
شخصيته مرحة، إجتماعي بطبيعته ، يشابه الاستشاري الطبيعي ، لكنه يفتقد الشغف لوظيفته.
فهو يتبادل معك النكات و يناقشك في كل الأمور غير الطبية ، و لديه مشاركات في الانترنت (المدونات ، فيس بوك ، تويتر ...الخ) ، لكنه لن يدرّسك أو يدربك في اي حال من الاحوال وتحت أي ظروف ، بالرغم من شخصيته الطيبة ، الا أنه يسعى لتهميش نفسه أكاديمياً (يعني صفر على اليسار).
أهم شيء عنده تأدية وظيفته بدون زيادة أو نقصان و أن يرجع الى بيته في نهاية الدوام الرسمي.
وجود هذا الشخص في حياتك كعدمه ، بالعربي الفصيح : إن حضرَ لا يُعَد ، و ان غابَ لا يُفتقَد.

4. الإستشاري "السكة"
تشكل هذه النوعية الاغلبية الساحقة من الاستشاريين في دول العالم الثالث. هذا المقال يركز على هذه النوعية من الاستشاريين. الإستشاري السكة يشوّه سمعة القسم و ربما المستشفى كله في بعض الأحيان. الإستشاري السكة يقتل طموح البعض من الأطباء الناشئين ، و يكون قدوة سيئة للبعض الآخر. ربما يجد البعض في صفة "السكة" بعض القسوة أو قلة الأدب و المهنية. ولكنني حاولت قد الامكان ايجاد صفة بديلة مناسبة و لائقة أكثر دون جدوى.


الاستشاري "السكة" هو واحد من اثنين:
1- شخص غبي، نجح في اختباراته بالحيلة (الواسطة او الفساد) أو بالحظ.
2- شخص ذكي و مجتهد و متفوق ، لكنه حمار بعناده و رعونته و غطرسته. و حموريته ممكن أن تكون موروثة أو مكتسبة (قدوته كان سكة أيضاً).

صفات الاستشاري السكة

الصفة الأولى: إزدواجية المعايير ، تفصيل الدوام حسب الطلب.احدى صفات الاستشاري الفاسد هي انه آخر من يداوم و أول من يرجع بيته آخر الدوام. بينما الاستشاري السكة أخذ هذا الفساد الى بُعد آخر جديد ، و بذلك أعني انه "يفصّل" دوامه ليتناسب مع راحته و إحتياجياته الشخصية حسب الطلب.

على سبيل المثال: اذا كان استشارياً في الجراحة ، فهو يتواجد في غرفة العمليات فقط طوال اليوم و يختار العمليات التي تناسبه. بمعنى أنه لا يعاين مرضاه قبل العملية و لا يتابع حالتهم بعد العملية ، يفحص شخصياً مرضى عيادته الخاصة فقط خلال ساعات العمل في القطاع العام. بينما يقوم زملاؤه بكل المهام ما قبل و بعد العملية الجراحية كأنهم خدماً يعملون تحت اشرافه. وهذا السلوك يتعارض مع كل الأخلاق الطبية المتعارف عليها.

إذا كان رئيساً للقسم، يرفض ازدواجية المعاييرعلى غيره ، و يطبق القانون على غيره "بحذافيره" ، ويقول للأطباء العاملين لديه "انا عايز سيستم system". لكن إذا مسّ القانون مصلحته الشخصية (لا سمح الله) ، رضي بإزدواجية المعايير على نفسه و استثنى نفسه من القوانين التي وضعها بنفسه لتطبيقها على غيره.

و هنا أشير الى أن الاستشاري السكة لا يعترف بمبدأ "القيادة بالقدوة" (Leadership by example).

فعندما يرتب جدول المناوبات الليلية (الخفارات) ، "يبدع" في تكثيف الخفارات على غيره و تقليلها على نفسه.

إذا غاب عن العمل لا يفتقده أحد. لذلك إجازاته الدورية تعتبر "أعياد رسمية" عند زملائه. مع العلم بأن وجود الاستشاري الحمار يعد سبباً رئيسياً في نفور الكفاءات ، و يتجلى هذا النفور في زيادة عدد استقالات الموظفين من المستشفى.

الصفة الثانية: "ده تلميزي"
اذا كان تخصصه يتطلب مهارات يدوية (جراحة، قسطرة قلب، منظار للمعدة و القولون...الخ) لا يعلمك هذه المهارات و لا حتى يشرح لك ما يفعله. و بعض الاحيان يرفض حتى دخولك معه الى غرفة العمليات!

و بالرغم من ذلك ، يصف الاستشاري نفسه بأنه "استاذك" حتى لو لم يدرسك و لم يدربك. و عندما يتحدث عنك مع الغير يقول "ده تلميزي". و اذا حدث خلاف بينك و بينه صرخ في وجهك قائلاً "انا سينيور عليك".

و خلال عملك معه ، عندما تسأله عن معلومة في تخصصه، رده المعتاد هو...
"روح بيتكم و إقرأ عنه Go home and read".


الصفة الثالثة: "عايش الدور"
يضع لتخصصه "برستيجاً" لا يليق به.
حيث انه يعطيك الانطباع بأن تخصصه للاطباء النوابغ فقط!
و كأن الدنيا لا يوجد فيها أخصائيين آخرين في تخصصه.
فهو يعيش الدور بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!
يظن بأنه نعمة الله على العالمين.
يهتم بحسن هندامه أكثر من اهتمامه بحسن أخلاقه وسلوكه.

بالنسبة له، الفرق بين الجونيور (Junior) و السينيور (Senior) مسألة حياة أو موت! مسألة حساسة جداً لايستهان بها بأي حال من الاحوال. فهو يناديك بمسمى "جونيور" طوال الوقت و يقولها لك باحتقار و ازدراء.

فهو لا يجالس الجونيورز، و يناديهم بالاسم الأول بدون لقب "دكتور". و هنا تلاحظ الفقدان الانتقائي للذاكرة ، لأن الاستشاري "المبجّل" نسي (أوتناسى) أنه نفسه كان في يوم من الأيام طبيباً ناشئاً حديث التخرج أيضاً.

الجدير بالذكر هنا الآتي...
أولاً: بالرغم من كرهه و احتقاره للجونيورز، إلا أن احترامه لهم يتزايد تدريجياً تزامناً مع ترقياتهم.
فكلما ارتقى الجونيور و تطور مسماه الوظيفي، كلما تغيرت لهجة الاستشاري السكة و نبرة صوته لهذا الجونيور.
بينما الاستشاري "القديس" يعاملك بأدب و احترام بغض النظر عن مسماك الوظيفي أو مؤهلاتك الدراسية.

ثانياً: معاملة الاستشاري السكة للجونيور تعتمد على عوامل أخرى لهذا الجونيور، مثل الجنسية ، و النسب ، و الجنس ، و المركز الوظيفي لوالد الجونيور. بالنسبة له، طاقم التمريض مسخّر لخدمته فقط. (أحد أهم الأسباب التي جعلت من التمريض مهنة طاردة للمواطنين). تستطيع ان تلاحظ هذا السلوك كالآتي:

- في العيادة الخارجية: لا ينادي المرضى في غرفة الانتظار. لأنها مهمة الممرضة.
- لا يقوم من كرسيه لمصافحة المريض قبل الفحص، و بعد الفحص لا يغير فرش السرير بنفسه ، لأنها مهمة الممرضة.
- عندما يمارس اجراء طبي تحت التعقيم، لا يعقم المريض بنفسه،لأنها مهمة الممرضة.
- في المناوبة الليلية، اذا اشتكى احد المرضى في منتصف الليل، يأمر الطبيب الممرضة للذهاب الى المريض لفحصه أولاً، لأنها مهمة الممرضة.
- عندما ينفعل ، يصرخ في وجه الممرضة قائلاً "انتِ مجرد ممرضة" (you are JUST a nurse) بلهجة استفزازية قليلة الأدب.

بالنسبة له ، المريض مجرد "حالة"
ينظر الى الى المريض على انه "حالة" وليس انساناً متكاملاً لديه إحساس و شعور و كرامة. و بذلك لا يراعي اي شكوى للمريض خارج تخصصه. مثال: طبيب القلب السكة لا يستمع لشكوى مريضه اذا كانت لديه أي شكوى أخرى غير القلب.

الصفة الرابعة: مزاجات ... مزاجات ... مزاجات
أنت أسير مزاجه. فإذا كان مزاجه صافياً، سألك بضعة اسئلة فنية دقيقة وتافهة في تخصصه ، لاتفيدك في حياتك العملية و لا تساعدك في دراساتك و اختباراتك. بمعنى آخر: معلومات لاتسمن و لاتغني من جوع.

و اذا كان مزاجه متعكراً، يسألك كثيراً عن حالات المرضى و يوبخك اذا لم تكن تعرف تفاصيل الدقيقة لكل مريض.
عندما يفتح فمه، تتدفق كميات هائلة من التفاهة والتناقض و ثقل الظل. ذلك لا لعدم وجود من يقف في وجهه و ينبهه على أخطائه.

أمثلة على التفاهة في الكلام و انعدام المنطق:
1. يأمرك بأن تكون في مكانين في وقت واحد!
على سبيل المثال ، يأمرك بأن تعمل في العيادة الخارجية و تغطي الحالات الحرجة في قسم الطوارئ في الوقت نفسه.

2. يصف نفسه عندما كان طبيباً متدرباً بعد تخرجه من كلية الطب بالصفات التالية: كان يعمل 16 ساعة في اليوم، و كان يقضي باقي ساعات يومه معتكفاً في الدراسة! (لا ينام أبداً). كان يداوم يومياً من بعد صلاة الفجر و ينتهي دوامه بعد صلاة المغرب. لم يرتكب أي أخطاء طبية أبداً. "ختم" دراسة كل الكتب في تخصصه قبل انتهائه من برنامجه التدريبي. و كان أميناً مخلصاً متفانياً في عمله حتى النخاع.

الصفة الخامسة: الفلوس أهم حاجة.
تفكيره مادي الى أبعد الحدود.
فهو يتفانى في القطاع الخاص ويكرس المستشفيات الحكومية لخدمة مرضى عيادته الخاصة.

غير ذلك ، يحرص كل الحرص ان يحصل على منصب أكاديمي في الهيئة التدريسية في الجامعة و في لجان الاختبارات في سبيل الحصول على البدلات و المكافآت المالية فقط. فليس لديه أي اهتمامات أو مساهمات أكاديمية لخدمة طلبة الطب و الأطباء حديثي التخرج. و اذا كان عضواً في الهيئة التدريسية في كلية الطب و لديه مؤلفات أو كتب، فهو يضغط على الطلبة لشراء كتبه، لأن أسئلة الاختبار ستأتي من كتبه.

و إذا كان عضواً في لجنة الاختبارات النظرية، تجده يضع أصعب الاسئلة (اسئلة صعبة عليه، هو شخصياً لايستطيع الاجابة عليها احياناً دون الاطلاع على المراجع!). و اذا كان عضواً في لجنة الاختبارات العملية ، لديه اعلى نسبة رسوب من الطلبة.

الخلاصة
أعيد و أنبّه على أن هذا الدليل لا يقصد أفراداً بشخصهم ، و انما هو مجموعة من أنماط لسلوكيات مشتركة في بعض الأطباء الذين تعاملهم معهم في السنوات العشر الماضية.

أخواني الأطباء الناشئين: دربكم المهني في بدايته ، وهو درب طويل و متعب ، يتطلب منكم التفاني و التفرغ و الشغف. لا تضيعوا وقتكم الثمين في العمل لدى استشاري "سكة" ، ذلك لأن معرفته خسارة ، و العمل معه مهانة ، و الإقتداء به غلطة ، والابتعاد عنه مكسب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق