لأسباب قانونية و مهنية و أدبية ، لن أذكر اسم أي شخص يعمل (أو يدرّب) في مجال تطوير الذات.
"من جدّ وجد ، ومن زرع حصد" ..."الوقوع ليس فشلاً ، الفشل هو عدم النهوض"
"لا يوجد هناك تلميذ فاشل ، فقط مدرس فاشل" ... "لتكن أنت ... من يقرع الأجراس"
حكم و جُمَل رنّانة رددها الأنبياء و الرسل و الحكماء و العظماء في كل زمان و مكان. تُضاف إلى رصيد الأدب الإنساني الخالد. عبارات تلهمنا. أخذ البعض هذه العبارات ليعيدوا صياغتها و يبيعوها على السذّج "للاستهلاك اليومي".
يعتبر مجال "تطوير الذات" جديد نسبياً في الساحة العربية. هناك الكثير مثلي ممن تهافتوا لقراءة هذه النوعية من الكتب. الأمر الذي شجع البعض على إضافة صبغة "علمية" عليها كي تكون هيبةً و جاذبية. كما أن هناك آخرون من ضعاف النفوس ممن استغلوا بساطة الناس فأقاموا الدورات و "ورش العمل" لصناعة "القادة" كما يزعمون.
كل "دورة" أو "ورشة عمل" تكلّف مبلغاً و قدره. هناك دائماً من هو على إستعداد لدفع هذه المبالغ للاستفادة من هذه "الدورات" التي هي أساساً بيع السمك في البحر من حيث المبدأ.
كل "دورة" أو "ورشة عمل" تكلّف مبلغاً و قدره. هناك دائماً من هو على إستعداد لدفع هذه المبالغ للاستفادة من هذه "الدورات" التي هي أساساً بيع السمك في البحر من حيث المبدأ.
لم أكن يوماً أستاذاً لتطوير الذات. لكني أمضيت سنوات طويلة في قراءة العديد من كتب "تطوير الذات" بشتى أسمائها أيام الجامعة. كنت آنذاك أشتري أي كتاب تقع عليه عيناي في المكتبة تحت بند "مساعدة النفس" أو "تطوير النفس"
(self improvement, self help).
من الذي يحضر هذه الدورات؟
من احتكاكي بالأفراد الذين يحرصون على حضور هذه الدورات. بالرغم من تنوع أصولهم و معتقداتهم و جنسياتهم. إلا أنهم في النهاية ينتمون لواحدة من هذه الخانات الأربع:
1- خانة "الحالم الهارب".
شخص يعيش حياة مُرّة لا تطاق في البيت أو العمل. يذهب إلى هذه المحاضرات للتنفيس و الاستمتاع بالكلام المنمّق الجميل الساحر الذي يعَد بمثابة المخدر الذي يسكّن آلامه مؤقتاً.
2- خانة "المضبّط".
المضبط باللهجة الكويتية المعاصرة هو من يحاول الالتقاء بالجنس الآخر لأغراض غير بريئة. بما أن محاضرات كهذه فيها الاختلاط مسموح (بعكس الحلقات الدينية في المساجد مثلاً) كل ما يحتاجه "المضبّط" هو الظهور في تلك المحاضرات و معه "صنّارته" ليصطادَ بها إذا حالفه الحظ. مثلما يقال "إذا أكو نابر".
3- خانة "صاحب الأجندة الخفية".
وهو أخبث نوع. شخص لديه أهداف معيّنة يسعى لتحقيقها من خلال حضوره هذه المحاضرات. كحشو سيرته الذاتية مثلاً. "تطوير الذات" ليس أحد هذه الأهداف.
4- خانة "الباحث عن الحقيقة".
هذا المصطلح ليس من تأليفي. إنما هو لقب الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه. هذا الإنسان الذي سافر من بلاد فارس إلى الروم و من هناك إلى شبه الجزيرة العربية باحثاً عن الدين الصحيح. إلى أن التقى برجلٍ في المدينة المنورة ، قادم من مكة ، فيه صفات النبوة. (القصة بالتفصيل: في كتاب "رجال حول الرسول" – خالد محمد خالد).
هذا المقال موجّه للباحثين عن الحقيقة.
هذا المقال لن يغير نوايا الناس المنتمين للخانات الثلاث الأولى.
هجوم شرس من أتباع تطوير الذات: من أنت الذي تسخر من أساتذة تطوير الذات؟
و هنا أجيب على هؤلاء بسؤال آخر: من هم أساتذة تطوير الذات؟
لنضع السيرة الذاتية المطوّلة لهؤلاء الأساتذة "تحت المجهر". لن أذكر اسم أي شخص. و لكن إذا ذهبت إلى المكتبة أو تصفحت الانترنت و تعمقت في السيرة الذاتية لمؤلفي كتب تطوير الذات ، ستجد فيهم مجموعة من الصفات المشتركة نلخصها في الآتي:
1- شخص بدون مؤهل علمي.
لم يفلح في كليّة أو معهد أو جامعة. قضى حياته متنقلاً بين الدورات التدريبية و ورش العمل أو دراسة جامعية "بالمراسلة" دون الالتحاق بجامعة حقيقية ذات برنامج أكاديمي مكثف و ملموس كباقي الجامعيين الحقيقيين.
2- "دكتور" و لكن في مجال آخر.
شخص لديه شهادة جامعية حقيقية و لقب فعلي (دكتور/بروفيسور/مهندس/أستاذ) في تخصص ليس له علاقة بتطوير الذات بالمرة. على سبيل المثال: طبيب بيطري يتحدث عن تطوير الذات و يلقب نفسه "دكتور" أمام الناس (لم يكذب الرجل ، فهو بالفعل "دكتور"!).
3- شخص أَولى بنصائحه من غيره.
شخص فاشل في حياته. غطى فشله بنصح غيره. على سبيل المثال: رجل مطلّق يعلم الناس أسرار الزواج الناجح. أو تاجر لم يكسب قط في أي صفقة تجارية و يعطي الناس محاضرات في إدارة الأعمال. أو رجل جلف انطوائي قليل الأدب قاطع الرحم بذيء اللسان، يعلم الناس الأخلاق و فن الخطابة و فن المحادثة و يشجعهم على صلة الرحم.
4- ولد الحمايل.
شخص "مرفّه" وُلِدَ و في فمه ملعقة من ذهب. نام طوال حياته على ريش النعام. لم يذق المرارة في حياته أبداً و لم يكدح لكسب قوت يومه. يؤلف كتب تطوير الذات و هو يقطن في قصره العاجي.
فن تحوير الكلام و وضع المعلومات في "إطارات" جذّابة
لا شك بأن هناك من يملك موهبة في البيع و تسويق المنتج. اذهب إلى وكالة للسيارات و لاحظ "مندوب المبيعات" (Salesman) وهو يستقبلك بالمصافحة الحارة و الابتسامة العريضة و كأنه يعرفك منذ زمن بعيد. يتفنن في مدح بضاعته لإقناعك بشراء سيارة من معرضه. حتى إذا كانت السيارات عديمة الجودة أو مغشوشة. في النهاية هذا رزقه وهذه متطلبات مهنته. و كما يقول المثل المصري "بين البائع و الشاري يفتح الله".
نفس مهارات البيع و التسويق هذه موجودة عند أهل السياسة. عندما يرشح شخص نفسه للبرلمان أو لأي منصب قيادي. تلاحظ تدفق كلامه المعسول المليء بالوعود و حضوره المهيب الذي لا يخلو من الكاريزما. لكنها و للأسف كاريزما كاذبة، الهدف منها "تخدير" الناس بالوعود الجوفاء و الأحلام الوردية التي تتلاشى بمجرد فوز الشخص المعني في الانتخابات. نفس المهارات هذه موجودة لدى أساتذة "تطوير الذات" و يستخدمونها في محاضراتهم لتخدير مستمعيهم، يبنون لهم قصوراً في الخيال.
و الجدير بالذكر هنا أن البضاعة أحياناً لا تكون مغرية إلا إذا كانت غامضة. و لا توجد هناك فنونا أكثر غموضاً من فنون الشرق الأقصى القتالية (الكاراتيه - الكونغ فو- التايكوندو...الخ) و الاسترخائية (تاي تشي) و العلاجية أيضاً (طاقة الريكي و البرانا ...الخ). إذا وضعت هذه المهارات و "البضائع" آنفة الذكر تحت المجهر أيضا ، ستجدها تفتقر إلى الدليل العلمي الملموس. و ليس ذلك فحسب ، و إنما حتى أصحاب الصنعة أنفسهم لا يعترفون بها تحت الطاولة. و يسخرون ممن يقتدي بها حرفياً.
إنها ليست هواية أو مهنة فحسب ، و إنما "تغيير لنهج الحياة"
مثال على تحوير الكلام ، قصتي الواقعية مع ثلاث أشخاص. لن أذكر أسماؤهم و لن أذكر حتى اختصاصاتهم بالضبط ، و لكنني سأكتفي بوصفهم بشكل عام بالصفات التالية: "الخطيب الحماسي" و "مدرب السلاح الأبيض" و "عميد الكليّة"
في سنة من السنوات طلب مني الخطيب الحماسي الالتحاق بنادي الخطابة الذي يعمل فيه. و كأي مندوب مبيعات ، حاول إقناعي بشتى الطرق لأشترك بناديه. قال لي "في الظاهر ستتعلم الخطابة و فنونها. و لكن في الباطن ستتعلم أمورا أخرى ستجعلك إنسانا أفضل".
في فترة أخرى ، و بناءا على طلب أحد أصدقائي، اشتركت في نادي لتدريب احد فنون السلاح الأبيض. كان صاحب النادي هو المدرب نفسه ، و بالرغم من أنه عربي خليجي أباً عن جد ، إلا انه كان متأثرًا جداً بسلوك و هيبة أساتذة السلاح الأبيض في الشرق الأقصى الذين درّبوه. و كيف يعاملوهم تلاميذهم على أنهم "آلهة" و ليسوا بشراً. عندما اشتركنا في النادي ، اجتمع بنا و قال لنا "في الظاهر ستتعلمون فنون السلاح الأبيض ، و لكنكم في الباطن ستتعلمون أمورا أخرى ستجعلكم أفضل الناس".
وقتها تذكرت حالي عندما كنت طالبا للطب في ايرلندا ، عندما اجتمع بنا عميد كلية الطب في سنة من السنوات وقال لنا "في الظاهر ستتعلمون الطب ، و لكن في الباطن ستتعلمون أمورا أخرى ستجعلكم أحسن الناس".
هل لاحظت وجه التشابه في كلام الأشخاص الثلاث؟ هذا هو فن المبيعات و هكذا يباع المنتج!
و الشيء بالشيء يذكر، اكتشفت لاحقاً بأن مدرب السلاح الأبيض المتسم بالوقار كان مدمناً على مشتقات الأفيون بسبب ألم مزمن في بطنه. لماذا لم يلجأ هذا المدرب الى أساليب الاستشفاء بالطاقة الكونية؟ أعني بها الأساليب "الاستشفائية" نفسها التي كان يدرسها لتلاميذه؟
عوامل النجاح التي يتجاهلها أساتذة تطوير الذات
يتمحور كلام أساتذة تطوير الذات على أن كل إنسان يستطيع أن ينجح بإرادته و عزيمته، بدون تأثير أي عوامل أخرى. العوامل التالية تلعب دوراً كبيرا في نجاح الناس. و سردها هنا ليس لإعادة اختراع العجلة و إنما للتذكير و ترتيب الأفكار ليس إلا. هذه العوامل ربما تأتي بمجموعات و ليست مستقلة عن بعضها بالضرورة:
الحظ - الاختيار الطبيعي - الظروف الملائمة أو "العصر الذهبي" – النسب - الجينات الوراثية أو "الموهبة"
1- الحظ
لا أحتاج أن أشرح أهمية هذا العامل المهم الذي يعرفه الجميع. فإذا كنتَ يهودياً في ألمانيا النازية فأنت غير محظوظ و الأسباب واضحة. أما إذا كنت بعثياً تعيش في العراق أيام صدام حسين فمعناها أبواب الخير مفتوحة لك.
قيل بأن المدير التنفيذي لشركة أبل "ستيف جوبز" ينحدر من أصول "سورية" وقد تبنته عائلة أمريكية عندما وُلد. هل سيكون "ستيف" ناجحاً كما هو الآن لو كان مولوداً و مترعرعاً في سوريا؟
و لو بقي د. أحمد زويل في مصر ، هل كان سيفوز بجائزة نوبل؟ ونطرح نفس السؤال الافتراضي عن "السّير" مجدي يعقوب، جراح القلوب العالمي ، بريطاني الجنسية - مصري الأصل. هل كان نجمه سيتألق في جراحة القلب لو بقي في مصر؟
أحد الشروط المطلوبة من المرشّح لرئاسة الولايات المتحدة أن يكون مولوداً على أرض أمريكية. باراك أوباما أحضر شهادة ميلاده التي تثبت أنه من مواليد هاواي. كان من المستحيل أن يرشح نفسه للرئاسة لو كان مولوداً في بلد أبيه.
2- الاختيار الطبيعي
في الأفلام الوثائقية للحياة الطبيعية على قناة الديسكفري أو الناشيونال جيوغرافيك ، نرى الوحوش الكاسرة عندما تهاجم البهائم ، تفترس الضعيف منها الذي لا يمتلك القدرة الجسدية للدفاع عن نفسه أو الهرب. هذه شريعة الغاب ، البقاء للأنسب.
في حياتنا المدنية منذ أن خلق الله الأرض و الطبيعة "تنتخب" الكائن الأنسب للعيش على أرضها. و لعل أبرز مثال على ذلك مرض خلايا الدم المنجلية (Sickle Cell Disease). هذا المرض الوراثي الخبيث ، مصدره أفريقيا ، يتمتع حامل هذا المرض بمناعة طبيعية ضد مرض الملاريا. و من هذا المثل تتضح ظاهرة الاختيار الطبيعي ، فالمستعمر الأوروبي للقارة الأفريقية ، بالرغم من صحة دمه ، يموت من مرض الملاريا. بينما يعيش فيها الأفريقي الحامل لمرض خلايا الدم المنجلية لأن دمه منيع ضد الملاريا. كذلك الحال في تطوير الذات. عندما يعلمك "أستاذك" على تطوير أساليب و "تكتيكات" و وصفات غذائية لإطالة عمرك و تمديد صحتك ، متغاضين بذلك عن ظاهرة الاختيار الطبيعي التي لا دخل للإنسان فيها.
3- الظروف الملائمة أو "العصر الذهبي"
إذا حصل لك أن جالست جدك (أو أي شخص مسن) ، سيحكي لك عن "أيام الزمن الماضي الجميل" عندما كانت الحياة بسيطة و أسعار البيوت رخيصة. ربما يقول لك كيف تزوج "جدتك" بمهر زهيد (مقارنة بمهور هذه الأيام).
في كل دول العالم ، تعيش بعض الأجيال حياة رغدة غنية لم تنعم بها الأجيال السابقة. و لن تنعم بها الأجيال القادمة. هذه الفترة تسمى بالعصر الذهبي. و هو العصر الذي تجد فيه الأسعار رخيصة و الفرص متوفرة و القيمة الشرائية للعملة جيدة. فهنيئا للجيل الذي عاش العصر الذهبي ، و لا عزاء للأجيال التي لم تعاصر هذه الفترة الثريّة.
و بالنسبة للظروف الملائمة ، فلا شك بأن كل حقبة زمنية لها متطلبات معينة. و الأوائل (Pioneers) المستعدون لتلبية هذه الطلبات ينجحون نجاحاً ساحقاً مقارنةً بالأجيال التي تليهم. على سبيل المثال: إذا كنتَ تعيش في أي دولة في العالم قبل 500 عام و كنتَ وقتها تجيد القراءة و الكتابة و الحساب ، فأنت في نظر الناس "سلعة رابحة" ، تستطيع الحصول على وظيفة في لمح البصر. و في عصرنا الحالي ، إذا كانت لديك شهادة جامعية في تكنولوجيا الاتصالات و المعلومات و الكمبيوتر ، فأنت أيضاً "سلعة رابحة" وتستطيع الحصول على وظيفة أسرع من غيرك.
4- النسب
هنا لا داعي للشرح التفصيلي. لأن ابن الملك أمير. و ابن المليونير مليونير. و ابن الفقير فقير. و أبناء التجار يرثون المهنة و رأس المال من آبائهم. فإذا رغب ابن التاجر في أن يبدأ تجارة ما ، سيجد كل الأبواب مفتوحة أمامه ، بكل التسهيلات ، دون أن تكون هناك لوائح أو قوانين تمنعه. و تجارته ستنجح نجاحاً ساحقاً بالتأكيد. ذلك لأن القوانين و اللوائح موجودة للحد من نشاط أبناء الفقراء الذين يطمحون لحياة أفضل من حياة آبائهم المساكين!
5- الجينات الوراثية أو "الموهبة"
المغنية الأمريكية الشهيرة "ماريا كاري" (Mariah Carey) لقبوها "بملكة البوب" صاحبة الصوت العذب. باعت في التسعينات ملايين الأسطوانات. ورثت ماريا صوتها من أمها التي كانت تغني في الأوبرا (موهبة موروثة). و كان مدير أعمالها في بداية مشوارها "تومي موتولا" المدير التنفيذي لشركة سوني للتسجيلات الذي أصبح زوجها لاحقاً. حظ يكسّر الصخر!
وغيرهم الملايين من الناس. فالرجل الأمريكي طويل القامة صاحب اللياقة البدنية العالية و ردّة الفعل السريعة سيتفوق في كرة السلة و سيغلب نظيره القزم الصومالي بطيء الحركة عديم اللياقة البدنية سيء التغذية! و هناك من الناس من ولِدَ قائداً و آخرون ولِدوا ليتبعوا هذا القائد.
و للعلم ، أي شخص لديه في بيته أكثر من طفل يعلم ما أعنيه عندما أتحدث عن المواهب و الميول و تنوعها لأن الطفل لا يأتي إلى هذا العالم "كالصفحة البيضاء" كما يزعم البعض.
السوق المفتوح و العلم المبني على الدليل
لست خبيراً في التجارة ، ولكن من المتعارف عليه أن أي حرفة أو مهنة قديمة و عريقة لها أصول و ضوابط و مقاييس يتم وضعها من قِبَل أهل الصنعة أو الجهات الحكومية المعنية بذلك. و الغرض منها تقليل الغش و مكافحة النصب و الاحتيال و في نهاية المطاف ، حماية المستهلك.
فعلى سبيل المثال: لا أحد يستطيع أن يمارس مهنة الطب إلا إذا كان متخرجاً من كلية طب معترف بها. و لا أحد يستطيع ممارسة التجارة إلا إذا كانت لديه رخصة تجارية سارية المفعول من وزارة التجارة. أما السوق "المفتوح" بطبيعته "مفتوح على مصراعيه" لأنه يخلو من الضوابط و القوانين و المعايير، كل من هب و دب يستطيع أن يمارس المهنة أو الحرفة التي يرغب بها دون أن يردعه أحد ، و بالتالي يختلط الطيب بالخبيث و الشريف بالغشّاش و الأصلي بالتقليد.
بيع البضاعة و الخط الفاصل بين النصب و المنفعة
عندما تذهب إلى الطبيب في القطاع الخاص ، في بعض الأحيان يكون هذا الطبيب "نصّاب" أو "تحت ضغوط" من الإدارة لتحقيق أعلى نسبة من الأرباح ، و بالتالي يمارس بعض الحيل "ليحلب" المريض قدر المستطاع.
على سبيل المثال: يطلب من المريض عمل تحاليل روتينية ليس لها أهمية ، أو أن يعطي المريض موعدا ليراجع العيادة بشكل دوري حتى إذا لم يكن هناك ما يدعو لذلك ، و في بعض الأوقات ، يصل النصب إلى درجة تجعل الطبيب يجري عملية جراحية لمريض لا يحتاجها! و النصب هذا موجود في كل الوظائف. مثل المدرس الذي يرغم الطالب على أخذ دروس خصوصية ، أو الميكانيكي الذي "يصلّح" محرك سيارتك الجديد السليم الذي لا يحتاج إلى صيانة! و للأسف في بعض الأحيان لا نستطيع تمييز الحد الفاصل في النصب و خدمة الزبون الفعلية. نفس الوضع ينطبق على تطوير الذات. ففي بعض الأحيان لا تحتاج إلى أحد "ليطوّرك" و بالرغم من ذلك يأتيك أحد "منهم" و يحاول قدر الإمكان إقناعك لحضور "ورشة عمل" لتعليمك مهارات لا تسمن و لا تغني من جوع.
بعد كل هذا الكلام، ما هو الحل؟
1- اسأل أهل الاختصاص.
فإذا كنت ترغب في إتقان مهارة ما ، اسأل أهل الاختصاص و الخبرة لاكتساب هذه المهارة ، أفضل من استشارة أساتذة تطوير الذات ، لأنهم أولى بنصائحهم من غيرهم. بين فترة و أخرى تجد في المكتبات كتبا ألّفها محترفون ناجحون في مجال تخصصهم ، يروون فيها قصص نجاحهم الفعلية و العقبات التي واجهوها و كيف تغلبوا عليها.
2- ابحث عن صديق وفي.
لكنه لا يتوفر دائماً على الأرفف و الواجهات الإعلانية. شاهد إعلانات السيارات في التلفزيون. ستلاحظ دعايات السيارات الأمريكية أكثر بكثير من دعايات السيارات الألمانية. و هذا حال الدنيا. فالمنتج الجيد إعلاناته كثيرة ، بينما المنتج الممتاز إعلاناته أقل نسبياً. فإذا كنت تريد أن تطور نفسك مجاناً ، ابحث عن صديق حميم "معرفته مكسب" و "معاشرته مطلب". يجب أن تبحث عنه لأن العثور عليه ليس بالأمر السهل.
3- لا تشتري بنقودك شيئاً مجانياً.
أياً كان دينك أو مذهبك أو معتقدك ، ستجد أن الوعظ الديني المجاني (في المساجد و الكنائس و المعابد في كل الأديان) لا يختلف في محتواه كثيراً عن دورات تطوير الذات التي تكلفك المبالغ الطائلة. كلهم يشجعون على احترام الغير و الإحسان و المحبة و التآخي و فعل الخير بكل أنواعه و المثابرة و النجاح و التضحية.
4- خلّك واقعي.
إذا كانت "فلوسك زائدة" ، تستطيع إيداعها في البنك ، أو تشتري بها أسهماً في البورصة ، أو تتصدق بها على الفقراء ، أو تصرفها في سياحة أو سفر ، أو تستثمرها في مشروع تجاري. لا تبذرها على دورات و ورش عمل لتطوير الذات و ما شابه من الأنشطة التي لن تقدم و لن تؤخر في تطوير ذاتك.
ملاحظة: هذا المقال مجاني 100% و "طالع من القلب". غير مدعوم من أي جهة و الدوافع من ورائه إنسانية بحتة. إذا كانت لديك أي ملاحظات ، تستطيع مراسلتي مجاناً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق