عشق "حسن" منذ صغره تجميع الطوابع البريدية.
شغفه كان بلا حدود. إذ وصل إلى درجة طلبه للعمل في مكتب بريد الحي الذي كان يعيش فيه ، بعد تخرجه من المدرسة. تراكمَت ألبومات الطوابع البريدية في مكتبة حسن على مر السنين. إلى أن قرّر ذات يوم أن يسأل جيرانه من أبناء الحي إن كان أحدهم يشاركه هذا الشغف. وجد عدداً لا بأس به من أترابه لهم نفس الهواية. فأصبحوا يتجمعون نهاية كل أسبوع في بيت أحدهم لعرض إصدارات الطوابع الجديدة و القديمة و مناقشة أصولها و تاريخ إصدارها و غيرها من التفاصيل التي تهمهم.
مع مرور الوقت إنتشرت سمعة هذا التجمع الأسبوعي غير الرسمي ، و رغم رفض "حسن" ، تحوّل هذا التجمع إلى نادي محلي رسمي لهواة جمع الطوابع. يستقطب الهواة من كل أنحاء البلاد. ذاع صيت نادي جمع الطوابع خلال شهور و إنتشر كالنار في الحطب الهشيم. عبر الانترنت تواصلت أندية جمع الطوابع الى الدول المجاورة. ثم الأقاليم. ثم القارات. و أصبح أصحاب "حسن" المؤسّسون للمنظمة الدولية لجمع و تصنيف الطوابع.
تم فرض رسوم للإِنْضِمام لهذه المنظمة. و المنضمون إليها بالملايين من مختلَف دول العالم. لذلك تم تكوين مجلس إدارة و أمين خزينة من أصحاب "حسن". و بالطبع نصّب أصحاب "حسن" أنفسهم أعضاء دائمون لهذا المجلس. بعد ذلك حدث خلاف بينهم على كيفية تقسيم أرباح المنظمة (من رسوم المشتركين فيها) و التي أصبحت ثروة طائلة تتراكم كل شهر في الخزينة التي لم تسلَم هي الأخرى من إختلاسات أمينها. حاميها حراميها.
إستفحل الخلاف بين المؤسّسين. الذي تحوّل إلى مشادة كلامية ، ثم تبادل شتائم ، ثم إشتباك بالأيدي. فَتّنَ أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة على أصحابه. طَفَت الفضائح على السطح. إذ كان أعضاء المنظمة (أصحاب "حسن" سابقاً) يدلّعون أنفسهم بأموال المشتركين. مبانٍ شاهقة لمنظمتهم. مكاتب مؤثثة بأفخر الأثاث. قسم للسكرتارية فيه أجمل السكرتيرات. سيارات فاخرة مع سائقيها. تم القبض عليهم و أحيلوا إلى النيابة.
إنتشرت صور المتهمين في الجرائد و برامج التواصل الاجتماعي. إعترض المشتركون في المنظمة على هذه التجاوزات المالية. طالبوا بمحاسبة المختلسين. و حَل مجلس الإدارة. و تدخل القضاء. و في خضم هذه الفوضى العارمة و الهيصة و الزمبليطة. كان حسن يشاهد أخبارهم من تلفزيون بيته هادئاً متأسفاً. كل ما تمناه من الأساس جمع الطوابع و الاستمتاع بها فقط.
هذه قصة خيالية رمزية انعكاساتها على أرض الواقع واضحة. هناك ناس يؤسسون جمعيات و منظمات و رابطات و هيئات لكل نشاط. الغرض الأساسي منها نبيل. لكن مع الوقت يتغلغل الفساد في قلوب ضعاف النفوس. فننسى مع الوقت السبب الأساسي الذي من أجله تأسست هذه الأنشطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق