عالِم/أستاذ/نابغة/موهوب عربي يرجع بلده بعد غربة طويلة في الفرنجة. لا يجد التقدير المتوقّع. يحزّم أمتعته و يهاجر الى الفرنجة ليحصل على التقدير الذي يستحقه. و هذا دليل على تخلفنا لعدم تقديرنا لهذه المواهب الشابة و محاربتنا للدماء الجديدة.
هذه القصة...
قرأناها و عرفنا فحواها مليون مرة. حفظناها عن ظهر قلب. ولكن ...
هناك وجه آخَر مجهول لهذه القصة الشيكسبيرية قليل من يتحدث عنه.
ألخّصه في هذا السيناريو :
المبتعث عند رجوعه لأرض الوطن يتحدث عن حياته في بلاد الفرنجة و كأنه نازل من الفردوس الأعلى. المدينة الفاضلة. حيث الخير كثير و الناس محترَمة و الحقوق محفوظة و الفساد منقرض و الكل متعايش مع الكل بحب و سعادة و وئام. يباشر هذا المبتعث مهنته في بلاده. بغض النظر عن شهادته و طبيعة تخصصه. يطالب بتطبيق القوانين الإفرنجية بحذافيرها في بلاده. لأن قوانين بلاده -على حد قوله- غبية متخلفة.
يعامل زملاءه -ممن لم يحالفهم حظ الإبتعاث- بتعالي و دونية. لسان حاله يقول "صحيح أنني أفوقكم علماً و خبرة ، و لكني سأنزّل من مقامي فقط لأسايركم و أجاملكم". ثم يثور ، في موجة من الغضب العارم ، إذا لم تتم إزاحة رئيس القسم الحالي فوراً و تعيينه رئيساً جديداً للمكان. كونه خريجاً جديداً و أفكاره الإبداعية ستُحدِث ثورة في سوق العمل. و لا كأن بلده دولة مؤسسات ذات سيادة. و لا كأن هناك قوانين و شروط و "سلّم" في الدرجات و الترقيات و العلاوات يجب ان يرتقيه حاله من حال غيره.
و في كل خصومة أو عِراك ، يعيد و يزيد في الأسطوانة المشروخة ذاتها: انا تركت الفرنجة بلاد الحضارة و العز و النعيم لأعمل في هذا البلد المتخلف الذي لا يقدّر أبناءه. إذا كانت وظيفته فنّية. طبيب او مهندس مثلاً. يضع قوانينه المفصّلة على راحته و هواه. يفرض بروتوكولاته الخاصة به على بقية الزملاء عنوةً. كأنه و قد أصبح دولة كاملة تجسّدت في إنسان واحد. هذا غير قمعه و تنمّره لكل من يسخر منه أو يتهكّم عليه.
في نهاية المطاف، عندما يثور أحد ليوقفه عنده حدّه، حزم أمتعته، و رجع مهاجراً إلى الفرنجة. بينما زملاءه "يكسرون قُلّة" وراءه من الفرحة. أما إذا بقي هذا المبتعث في منصبه، يظل متربعاً عليه عقوداً طويلة. لا تنحّي و لا تقاعد و لا إستقالة. و يحارب الدماء الجديدة مثلما كان هو يُحارَب وقت توظيفه. أما إذا كان تخصّصه نادراً ، يتمنّن في عمله. و لا يدرّب أحداً على أسرار صنعته التي تعلمها في الفرنجة.
ليس سراً أن بعض الكفاءات حقاً محارَبة. لا سيما الدماء الجديدة منها. لكن إذا سمعتم عن مظلومية أحدهم ، ربما -فقط ربما- هناك جانب آخَر من القصة لا يعرفه الجميع.
و سلامتكم.
و سلامتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق