الأحد، 17 أبريل 2016

خُف علينا يا روبن هود

سلسلة قصص قصيرة عن أفراد عاشوا دور روبن هود...

روبن هود ملك اللصوص. بطولة كيفن كوستنر. ١٩٩١


بطل الويكند راوندز
سياسة سير العمل الداخلية في مستشفيات وزارة الصحة تختلف من مستشفى لآخر. في بعض المستشفيات ، كل فريق طبي يعين طبيباً واحداً فيه يمر على المرضى المنومين في المستشفى في عطلة نهاية الأسبوع أو ما يسمى بالانجليزية "ويكند راوندز" (weekend rounds) حتى لو لم يكن الفريق مناوباً في نهاية الأسبوع

لتنظيم العمل هناك جدول دوري يحوي أسماء أطباء الفريق. الويكند راوندز تدور على كل طبيب في الفريق دون استثناء. طبعاً الطبيب الذي عليه الدور في الويكند راوندز يمر على المرضى طول النهار. بمعنى أن راحة نهاية الأسبوع ضاعت عليه حتى لو لم يكن خفيراً مناوباً

الظاهرة المدهشة أن في إحدى الفرق الطبية ، الإستشاري الذي كان يضع جدول الويكند راوندز (على أيامي عندما كنت متدرباً) كان يستثني نفسه من الجدول دوناً عن باقي الإستشاريين. و عندما سألناه عن السبب ، كان رده العُدواني المباشِر "بس. تعبت. داومت ويكند راوندز سنين طويلة بما فيه الكفاية". أبسط تعليق خطَر في نفسي هو "صج عذر أقبح من ذنب".

حرامي الصندوق
الحياة ليست عادلة للبعض للأسف. لا سيما في دول العالم الثالث. حيث الفرص لا تكون دوماً متساوية للجميع. أحياناً يقبل الشخص بوظيفة أقل من طموحه و مؤهله الدراسي بكثير ،  بسبب ندرة الفرص و زيادة الطلب على العرض

في إحدى المقاهي التي كنت أرتادها قبل سنوات ، كان محاسب المقهى (الكاشير Cashier) وافداً من جنسية عربية. أنيقاً لبقاً حَسَن الهندام بشكل ملحوظ بعكس زملائه. عرفنا منه بعد ذلك أنه جامعي. خريج كلية الحقوق في بلده. لكنه بقي عاطلاً لفترة طويلة بعد التخرج بسبب شح الوظائف هناك. و قرر العمل في الكويت كاشيراً في هذا المقهى الشعبي.

تم طرده من الوظيفة و إبعاده من الكويت بعد توظيفه ببضعة أشهر. لأن صاحب المقهى إكتشف أن أرباح المقهى في انحدار مع عجز مزمن في الميزانية بالرغم من كثرة الزبائن. إتضح أن كاشيرنا المبجّل كان يختلس "بضعة" دنانير من حسابات الأرباح اليومية نهاية كل يوم قبل تصفية الحسابات و إغلاق الصندوقحتى وقت ترحيله لم يكن نادماً. لم يحس بالذنب من فعلته الشنيعة. لسان حاله كان يقول "أنا جامعي و راتبي ضئيل. و الفلوس التي اختلستها هي حقي الضائع من هذه الدنيا".

المقيم المواطن
الحياة فرص. و قال الإمام علي (ع) "إغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب". الكويت أمة صغيرة في السن مقارنة بالأمم الأخرى. باب التجنيس الرسمي فيها بقيَ مفتوحاً لفترة وجيزة من الزمن و أُغلِقَ بعد ذلك. من غنم بالجنسية أصبح كويتياً. و من فاتته الفرصة ظل أجنبياً أو غير محدّد الجنسية (بدون). الجنسية الكويتية مرغوبة و لأسباب معروفة

بعض الإخوة العرب الذين قدِموا إلى الكويت لسنين طويلة (و بعضهم منذ أجيال عديدة) من أجل الحياة الكريمة و طلب الرزق محافظين على جنسياتهم الأصلية. يجادلون موظفي الدولة مطالبين بإستثنائهم عن بقية الوافدين و معاملتهم كالكويتيين في التعليم و الرعاية الصحية و المرافق الأخرى. طيّب لماذا تضغطون على هؤلاء الموظفين العاديين؟ الموظف عبد مأمور. ينفذ الأوامر. ينفذ قوانين الدولة و ليس له يد فيها.

أنا طبيب موظف مدني في الدولة. أطبق قوانينها حالي حال غيري. بعد إصدار القرار الوزاري بفصل المرضى الكويتيين عن الوافدين في العيادات الخارجية ، صرخ علي أحد مرضاي من الوافدين "أنا عايش في الكويت منذ سنة ١٩٥٨ ، فلماذا تعاملونني هكذا؟".

طيب يا سيدي لماذا تصرخ علي؟ هل أنا من أصدر هذا القرار؟ هل إذا عشت أنا في بلدك سأُعامَل معاملة المواطن هناك؟ آسف. و لكن ليس ذنبي أنك غير كويتي. أنت تصرخ على الشخص الخطأ طال عمرك

الرجسترار الإستشاري
في الكثير من المهن الفنية ، شهادة البكالوريوس أو حتى الدبلوم أكثر من كافية للحصول على وظيفة براتب جيّد و مستقبل وظيفي واعد. لكن للأسف الطب ليس من هذه المهن. البكالوريوس في الطب فقط بداية الرحلة الطويلة.

فإذا لم يكمل الطبيب دراساته العليا من "ماجستير و دكتوراه" أو "بورد و زمالة" فمهنته مصيرها الركود. و في دولة الكويت بالذات ، الترقية بالأقدمية فقط أمر صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً. و الناس قدرات متفاوتة. منهم من يكمل كل دراساته و يصبح استشارياً قبل سن الأربعين. و منهم من "يريّح" و يأخذ وقته و يبقى في مكانه و مسماه الوظيفي بدرجة "أسيستانت رجسترار" (Assistant Registrar) أو "رجسترار" (Registrarسعيداً راضياً. كل شخص حسب طموحه

لكن في بعض الأحيان إذا بقي الرجسترار كما هو لسنين طويلة ، بعد فترة يعيش الدور. و يطالب بمعاملته كإستشاري. بمعنى أن ينام في بيته وقت الخفارات. و يتأمّر على الزملاء الأصغر منه سنّاً حتى لو كان مسماهم الوظيفي نفس مسمّاه. و يفصّل جدول عمله حسب راحته الشخصيةحجّته في هذا الموضوع "أنا غير. أنا قديم". 

يا أخي ما يصير. ما يجوز. هل تطالب بمساواتك بمن تعب على نفسه في الدراسات العليا و الإختبارات؟

القصد
روبن هود. أمير اللصوص. صوّرته لنا القصص على أنه بطل الأبطال. كان يسرق من الغني ليعطي الفقير. عالجَت هوليود قصته في أكثر من فيلم. في رأيي أفضلهم كان فيلم "روبن هود أمير اللصوص" (Robin Hood Prince of Thieves). بطولة كيفن كوستنر و مورغان فريمان. إنتاج سنة ١٩٩١

 مبدأ "روبن هود" مرفوض في المجتمعات المدنية المعاصرة. في زماننا ، روبن هود مجرد لص. أفّاق. قاطع طريق. و على أفضل تقدير: فتوّة. يفرض قوانينه الخاصة به لأن حضرة جنابه يرى في قوانين الدولة ظلم و تعسُّف.

إذا كنتَ ترى القوانين و اللوائح غير منصفة ، حاول تعديلها عن طريق القنوات الشرعية. هناك برلمان و محامين و قضاء عادل. و إذا رأيت صعوبة في هذه القنوات ، باب الشكوى الرسمية للسلطات العليا مفتوح. و الصحافة موجودة لتنشر فيها قضيتك العادلةلكن تُطبّق قوانينك الخاصة بك و تخالف القانون الرسمي بحجة أنك مظلوم؟ أن لستَ مظلوماً. أنت مخالف للقانون و من الواجب إيقافك عند حدّك.  

أسلافنا وضعوا لنا الخطوط العريضة في الحياة بالأمثال الشعبية التي صيغَت لتكون في الصميم
الحياة قسمة و نصيب
من سبق... لُبَق.  
لا يضيع حق وراءه مُطالِب
اللي في الأولي لاعب في التالي تاعب
و خبزٍ خبزتيه ، يا الرّفلة إكليه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق