لطالما أحببت القصص الرمزية التي تسرد قصص الحيوان و ترميزها بسلوك الإنسان. ربما أشهرها سلسلة قصص كليلة و دمنة التي ترجمها إبن المقفع. نظيرتها في الأدب الإنجليزي رواية مزرعة الحيوان (Animal Farm) لجورج أورويل (George Orwell). هذه القصة القصيرة محاولة بسيطة مني للسير على خطاهم و ذلك لغاية في نفسي.
يحكى أن هناك مزرعة نائية في أرياف بلاد الواق واق. مزرعة فيها حظيرة صغيرة للدجاج يترأسها ديك واحد. بعدما فقَسَ بيض الدجاج ، رُزِقَ الديك بمجموعة كبيرة من الكتاكيت. منها بضعة ديوك.
كل ديك من هذه الديوك الناشئة كان يتباهى مختالاً أمام إخوته بفحولته و رشاقته و لياقته البدنية. الإستعراض كان يبدأ عادةً من سطح الحظيرة المقسّم إلى درجات من الرفوف المصفوفة فوق بعضها. كل ديك كان يحاول القفز من الرف الأعلى ، ليفرش جناحيه في هبوط "مظلّي" تدريجي. مسابقة القفز هذه كانت يومية. في كل يوم الديك الذي يقفز من الرف الأكثر علواً هو الفائز برضا و إستحسان الديك الأب.
كل الديوك كانوا أيضاً يتسابقون فيما بينهم على أكل الحبوب المنثورة لهم. و كان الفوز من نصيب الذي يأكل أكثر الحبوب في أقل وقت. و على الرغم من أن أحداً من الديوك لم يجرؤ على عبور سور المزرعة في حياته ليقارن نفسه بمستوى ديوك المزارع المجاورة على الأقل. إلا أن كل ديك كان "يحس" في نفسه أنه الأقوى و الأكثر فحولة بين إخوته. بل بين كل ديوك العالم.
أصغر هؤلاء الديوك سناً هو -بطبيعة الحال- من طلع من آخر بيضة. بيضته فقست بعد فترة حضانة إستمرت لفترة أطول بكثير من حضانة إخوته. عندما ظهر للدنيا كان صغير الحجم. بالرغم من أن البيضة التي فقس منها كانت الأكبر حجماً. كان مختلفاً جداً عن بقية إخوته. ريشه رمادي خفيف أشعث. منقاره معقوف أسود اللون. جرمه ضئيل. قامته قصيرة. بسبب التباين الواضح بين لون منقاره و لون ريشه ، أطلق عليه إخوته لقب "شطرنج" من باب السخرية.
كان شطرنج مسالماً لا يريد المشاكل. كان يسير بجانب الحائط منزلاً رأسه. لا يخالط أخوته كثيراً. و لكنه في ذات الوقت كان يحاول لفت إنتباههم بمشاركتهم في مسابقات القفز و أكل الحبوب. من الديوك من كان يبدي إعجابه -و لو بإقتضاب- بمحاولات شطرنج لإثارة إنتباههم. لكنه أبداً لم يبدِ إعجابه الصريح. بينما ديوك آخرون كانوا يشاهدون محاولات شطرنج الفاشلة في القفز من الرف العالي و يقولون له بلهجة ساخرة دونية "لا تحزن يا أخانا الصغير. كلها بضع سنوات و ستجيد القفز من أعلى رف".
![]() |
الكتكوت القبيح: شطرنج |
كان شطرنج مسالماً لا يريد المشاكل. كان يسير بجانب الحائط منزلاً رأسه. لا يخالط أخوته كثيراً. و لكنه في ذات الوقت كان يحاول لفت إنتباههم بمشاركتهم في مسابقات القفز و أكل الحبوب. من الديوك من كان يبدي إعجابه -و لو بإقتضاب- بمحاولات شطرنج لإثارة إنتباههم. لكنه أبداً لم يبدِ إعجابه الصريح. بينما ديوك آخرون كانوا يشاهدون محاولات شطرنج الفاشلة في القفز من الرف العالي و يقولون له بلهجة ساخرة دونية "لا تحزن يا أخانا الصغير. كلها بضع سنوات و ستجيد القفز من أعلى رف".
خلال بضعة أشهر ، لاحظ شطرنج نفسه بأنه أسرع الديوك نمواً في الحظيرة. هذا غير عرض جناحيه الهائل وقت فردهما ، و بروز ملامح وجهه الحادة و بالذات بروز منقاره بعد تحول لونه من الأسود إلى الذهبي. حتى حواسّه و حدّة بصره. الذي أصبح أقوى بكثير من جوارح إخوانه.
لم يخرج شطرنج في حياته من المزرعة. و لم يفكر حتى في الطيران. شأنه في ذلك شأن بقية أسرته. كان يعتبر نفسه ديكاً و الديك لا يطير. بالرغم من هيمنته على بقية الدجاج. حتى بفحولته المفرطة. حتى بغروره و زهاء ألوانه. إلا أن الديك مكانه حظيرته. يصيح بأعلى صوته فجر كل يوم لإيقاظ أصحاب المزرعة. و لا تتعدى مهمته هذه الحدود.
إلتفت شطرنج إلى السماء في نهار يوم من الأيام ، و لاحظ طيوراً ضخمة تحلّق في أعالي السماء. تشابهه كثيراً في الهيئة و الصوت و الحجم. نظر إلى إنعكاس صورته في حوض الماء الذي في الحظيرة. فرش جناحيه. أخذ نفساً عميقاً. ثم إنطلق إلى أعالي السماء ليلتحق بأهل جنسه.
أما زلتم تتنافسون على القفز من الرفوف العليا؟
أنا أنظر لكم من أعالي السماء و أضحك. كنت أقفز معكم لأثير إعجابكم بأي طريقة لأحصل على رضاكم الذي لا يُدرَك.
أنا أنظر لكم من أعالي السماء و أضحك. كنت أقفز معكم لأثير إعجابكم بأي طريقة لأحصل على رضاكم الذي لا يُدرَك.
أما زلتم تضحكون على منقاري الأصفر و رأسي الأبيض و جسدي الأسود؟
و الدول العظمى وضعت صورتي شعاراً لها.
و الدول العظمى وضعت صورتي شعاراً لها.
العالم كله أمامي ينتظرني لأستكشفه. بينما أنتم ستقضون حياتكم في نفس المزرعة. داخل نفس الحظيرة. تأكلون نفس الحبوب. تقفزون من نفس الرفوف.
من المؤكد أنكم لن تفقدوني. لأنكم تظنون بأنكم أفضل الطيور على الإطلاق.
و أنا لن أفتقدكم. لأنني ضيعت عمري في إرضاء من لا يستحق الإهتمام.
السؤال يطرح نفسه:
من الذي دسّ بيضة النسر بين بيض الدجاج؟ و ماذا كانت النية من وراء فعلٍ كهذا؟
لا أحد يعرف الإجابة! و في نهاية القصة الإجابة غير مهمة.
من المؤكد أنكم لن تفقدوني. لأنكم تظنون بأنكم أفضل الطيور على الإطلاق.
و أنا لن أفتقدكم. لأنني ضيعت عمري في إرضاء من لا يستحق الإهتمام.
السؤال يطرح نفسه:
من الذي دسّ بيضة النسر بين بيض الدجاج؟ و ماذا كانت النية من وراء فعلٍ كهذا؟
لا أحد يعرف الإجابة! و في نهاية القصة الإجابة غير مهمة.
من الجانب الإنساني...
هل حاولتَ إثارة إعجاب شخص لا يستسيغك ، و ظَهَرَ لك لاحقاً بأنك أفضل منه بمراحل؟
هل حاولتَ إثارة إعجاب شخص لا يستسيغك ، و ظَهَرَ لك لاحقاً بأنك أفضل منه بمراحل؟
هل حاولتَ إثبات نفسك لقدوتك. و عرفتَ بعد ذلك بأنك متفوق عليه في مجال عمله؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق