مدرسة المشاغبين ربما من أروع الأعمال المسرحية المخلدة في تاريخ الفن المصري الحديث. هذه المسرحية خرجَت أجيال. مفرداتها الكوميدية و عباراتها الساخرة لا تزال تتناقلها الألسنة من جيل لآخر مع فريق من الممثلين لن يتكرر مثله فريق مرة أخرى.
ملخص المسرحية
مجموعة من الطلاب المشاغبين في مدرسة "الأخلاق الحميدة" استطاعوا بحركاتهم الصبيانية تطفيش كل مدرسيهم. كمحاولة يائسة من الناظر "عبدالمعطي" (حسن مصطفى) للسيطرة عليهم ، جمعهم في فصل دراسي واحد.
![]() |
الناظر: عبدالمعطي |
زعيمهم كان بهجت الأباصيري (عادل إمام) الملقّب "بالمخ". بينما كان ساعده الأيمن "مرسي الزناتي" (سعيد صالح) الملقّب "بالعضلات". بهجت وضّح الصورة لمرسي منذ بداية المسرحية: أنهما إذا افترقا ، بهجت يصبح ضعيفاً ، بينما مرسي يصبح حماراً.
آخر ضحاياهم من الأساتذة كان "علّام الملواني" (عبدالله فرغلي). قيل أنه كان عبقرياً قبل أن يجن جنونه على يد هؤلاء
المشاغبين. خطة الإنقاذ الأخيرة من الوزير كانت إرسال "عفّت عبدالكريم" (سهير البابلي) المعلمة المتحضرة الراقية. حاملة شهادة الدكتوراه. كانت مهمتها ترويض الطلاب و حل مشكلة شغبهم.
![]() |
عفت عبدالكريم |
كلنا نتذكر المواقف الكوميدية للمسرحية. لكنها علمتنا دروس و عِبَر أيضاً.
١. "عفت عبدالكريم" حاولت كسب الطلبة لصالحها بالطرق المتحضرة السلمية و بمنهج أكاديمي. لكنها كسرت ذراع "مرسي الزيناتي" بعد تعديه حدود الأدب معها. نبوءة "بهجت" تحققت. لقد أصبح ضعيفاً. و "مرسي" أصبح حماراً.
درس: من الصعب أن تتفاهم بأخلاق راقية مع ناس لا تعرف ما هي الأخلاق أصلاً.
٢. جرح كبرياء ناظر المدرسة "عبدالمعطي" لأن "عفت" كانت معلمة و شهادتها دكتوراه. بينما هو ناظر و كانت شهادته إعدادية. هنا التصادم بين التعليم و الخبرة. الصراع بين المدرسة القديمة و المدرسة الحديثة.
٣. من كل الخدع و الحيَل الصبيانية في المسرحية ، "الإستعباط" كان أقوى سلاح لتطفيش المعلمين. هذا في رأيي أهم درس تعلمته من المسرحية.
الأفغان هزموا الإحتلال السوڤييتي بصواريخ "ستنغر" (Stinger) الأمريكية.
الهنود هزموا الإستعمار الإنجليزي بسياسة "اللا عنف".
العرب هزموا الإستعمار بسلاحهم الأمثل الذي أثبت فعاليته بلا منازع: التظاهر بالغباء و الجهل.
- شرطي المرور يوقِف السائق لعدم ارتدائه حزام الأمان. السائق يستعبط "لم يقل لي أحد أن حزام الأمان إجباري".
- العربي لا يحترم الطابور ، لذا يتخطى الذين أمامه دون خجل. و إذا أوقفه أحد عند حدّه قال معتذراً "سامحني ما شفتك" أو "آسف. ما كنت أدري ان فيه طابور".
- العربي فعّال في التواصل الاجتماعي في الانترنت عبر "فيس بوك" و "تويتر" و "انستغرام". و إذا أرسلت له قرارات إدارية (لها علاقة بالعمل) بالبريد الاليكتروني، قال لك "معنديش إيميل!".
- الموظف العربي تعلّمه أصول العمل شفهياً و تحريرياً. بالورق و بالانترنت (أون لاين). و تكرر عليه نفس المعلومة ألف مرة. و في النهاية لا يتقن عمله. تبريره "محدش قال لي أشتغل إزاي".
- العربي بعدما يعيش في الغرب مليون سنة. يتعلم لغة الدولة الغربية التي عاش فيها. لكن لغته تظل ركيكة إلى درجة مستفزة. هذا غير حفاظه على لكنته العربية الأصلية.
- العربي يتعمّد التواصل الشفهي في أغلب تعاملاته. لأنه يستطيع إنكار أو تغيير أو تعديل أقواله لعدم وجود أي إثبات خطي يثبت أو ينقض كلامه. "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل" (البقرة. آية: ٢٨٢)
الإستعباط سلاح قوي. خصوصاً في المجتمعات المتحضرة الراقية. لأن الإنسان الراقي لا يسيء الظن. و يلتمس لأخيه سبعين عذراً ، مما يجعله فريسة سهلة للمستعبِط.
"الاستعباط" بالرغم من فعاليته. إلا أن فيه عيب جوهري قاتل: فائدته قصيرة الأمد."المستعبِط" مصيره ينكشف على المدى البعيد و مصداقيته على المحك. لن يصدقه أحد و لن يحترمه أحد بعد إنكشاف أمره. خصوصاً أن الإستعباط بحد ذاته إهانة لذكاء "المستعبَط عليه" إن صح التعبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق