الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

خلك تستوستيروني

التستوستيرون. المادة الكيميائية التي تحول الصبي إلى "رجل" بهويّته الجسدية الكاملة مختلفاً عن الأنثى. هذا الهرمون له علاماته المعروفة مثل شعر الوجه و تضخّم العضلات و تعريض العظام. لذلك في القصص المصوّرة نرى البطل و حنكه العريض علامة الفحولة مثل سوبرمان. لكن "أكسير الذكورة" هذا له آثاره السلوكية أيضاً. 

هذا السلوك واضح في الكائنات الحية لأنه يتمحور على جذب إنتباه الجنس الآخر و لأسباب واضحة. مثل الديك الغيور على دجاجه. و الكبش اليافع المندفع لنطح غريمه لينحّيه عن رئاسة القطيع. و الثور الهائج تجاه البقر. الرجل البدائي سلوكياته مماثلة.

هذه السلوكيات تخفّت (أو تحولَت) بشكل غير مباشر مع الإنسان العصري و تحسّن مستواه المعيشي و التكنولوجيا. لتظهر في حلّة جديدة غير واضحة للجميع. لذلك سأسرد بعضاً منها هنا.  
  
التستوستيرون بالملخص يجعل الرجل يرى نفسه ما يسمى باللغة الإنجليزية "ألفا-ميل" (Alpha male):

فحل - عنيف - فولاذي لا يُقهَر - متفوق - ماهر - ذكي - ذو إرادة صلبة - رجل المهمات الصعبة

١. فحل. 
الفحولة ليست محصورة فقط في الأداء الجنسي. فهذا أمر معروف. و إنما معناها أيضاً غيرة الرجل الزائدة على كل "نسائه" ، الذي أعني بهم زوجته و أمه و أخواته. لكن هذه الغيرة للأسف لا تشمل و لا تمتد إلى نساء الغير. الفحولة أيضاً تعني ربط الرجل بصفة ثانوية أو عادة متعارف عليها. حتى لو كان هذا الربط خاطئاً. مثلاً الفحل هو صاحب الشنب المفتول أو المدخن بشراهة.      

٢. عنيف. 
السلوك العدواني أو "الندّية" ربما ثاني أوضح صفة تستوستيرونية. الشباب الذين يتعاطون حقن التستوستيرون في الأندية الرياضية يلاحظون رغبتهم العارمة لإثارة أي معركة لأتفه الأسباب. ربما أشهرها "ليش تخزني؟" (لماذا تحدّق بي؟). الرجل العنيف بشكل عام يفضل حل نزاعاته بالعنف بدلاً من التفاوض و اللطف. 

٣. فولاذي.
"التستوستيروني" لا يأخذ الإحتياطات اللازمة لأي مهمّة. لأنه لا يرى نفسه كائناً ضعيفاً معرّضاً للخطر و الموت شأنه شأن بقية الكائنات الحية. لذلك لا يرتدي حزام الأمان وقت قيادة السيارة. و لا يرتدي الخوذة عند ركوب الدراجة النارية. و لا يرتدي النظارات الغامقة الواقية خلال الحدادة أو اللّحيم. 

الأغلبية الساحقة من القوى العاملة في تخصصي - قسطرة القلب- من الذكور. عملية القسطرة القلبية يتعرض الطبيب فيها لجرعات كبيرة من الأشعة السينية (أشعة اكس). لكن طبيب القسطرة لا يرتدي الياقة الواقية للغدة الدرقية و لا يرتدي النظارات الواقية من الإشعاع. و الأخطر من ذلك ، إذا كان الطبيب يعاني من بُعد النظر (لا يستطيع رؤية الأشياء القريبة و يحتاج نظارة طبية للقراءة) يتفادى إستخدام نظارته الطبية عند أدائه الإجراءات الدقيقة الصعبة مثل العملية الجراحية أو القسطرة القلبية أو مناظير الجهاز الهضمي. الرادع الوحيد هو العقاب الإداري في حال عدم إلتزامهم في إتخاذ إجراءات السلامة و الوقاية. 
  

٤. متفوق و ماهر.
المشكلة ليست في التفوق إذا كان حقيقياً ملموساً و ظاهراً للعيان. المشكلة تكمن في المبالغة في تقييم القدرات العقلية و الجسدية للذات. ربما لخصوها الأمريكان في جملة مفيدة واحدة: 

"غرورك يكتب شيكات جسدك لا يستطيع سدادها" 
Your ego is writing cheques your body can't cash

"التستوستيروني" يرغب في التحدي و المسابقة لإثبات تفوقه على أقرانه. التفوق الجسدي له الأولوية على التفوق العقلي. و النتائج قريبة المدى لها الأولوية على النتائج بعيدة المدى. لذلك "التستوستيروني" أرعَن. يريد الحل السريع في أقصر مدة ممكنة (بالكويتي: مطفوق / مطيور / فالِت). 


٥. ذكي.
"التستوستيروني" يحاول إنجاز و إتقان مهمته بنجاح و من أول مرة. مستعد أن يضع حياته على المحك أحياناً و يضحي بالكثير لذلك. بينما العاقل يعلم بأن السبيل الصحيح للنجاح هو بالمحاولة و الخطأ. و الفشل المتكرر هو السبيل الأمثل للنجاح. لا سيما في مجال البحث العلمي. هذا غير أنه يأبى مساعدة الغير. لأنه يظن أن في استطاعته حل أي مشكلة معتمداً على نفسه. فهو لا يسأل عن الإتجاهات إذا أضاع طريقه. و يعتمد على ذاكرته في حفظ و إسترجاع المعلومات بدلاً من توثيقها على الورق أو إليكترونياً.

"التستوستيروني" يرى نفسه أحياناً "ذيب" في ذكائه. لأنه يختبر نفسه دائماً إذا كان قادراً على كسر القوانين دون عقاب. فلا يلتزم بالزي الرسمي في المدرسة أو مقر العمل. و يتخطى حدود السرعة القانونية على الطريق. 

٦. ذو إرادة صلبة.
أنا مدخن بكثرة منذ سنوات. لكنني أستطيع قطع السجائر وقتما أريد.

أنا مفلس. لكنني أستطيع شراء أي سيارة أريدها بغض النظر عن راتبي الشهري. 

أنا سمين بمزاجي. و أستطيع تخسيس وزني بالرياضة و الحمية في أي وقت. 

٧. رجل المهمات الصعبة.
"التستوستيروني" يعشق استخدام العدّة و العتاد و الأجهزة المتطورة. أفضل و أقرب مثال على ذلك شخصيات القصص المصورة الذي يتمنى أن يعيش دورها كل الرجال. مثل جيمس بوند (007) و توني ستارك (أيرون مان) و بروس وين (باتمان) الذين يجسدون صورة رجل العتاد "gadgets man" الذي يستخدم "أدواته" في فعل الخير و محاربة الشر. 


نمط التصرفات المذكورة أعلاه أساسها تستوستيروني.
لكن الأعراف و العادات و التقاليد في كل مجتمع تشكّلها و تحوّرها حسب الزمان و المكان. لتتحول و تبقى جزءاً من نسيجنا الإجتماعي. حتى لو انخفضت نسبة هذا الهرمون في الدم لأسباب نفسية أو لحالة مرضية. 

كيف تميز السلوك التستوستيروني؟

أ. العلاج الهرموني يغير السلوك. 
كما ذكرت مسبقاً. لاعب كمال الأجسام الذي يتعاطى حقن التستوستيرون يريد إثارة أي مشاجرة لأتفه الأسباب. بينما الرجل الذي يتعاطى هرمونات الأنوثة (حبوب منع الحمل) يميل إلى السلام و العاطفة و الحنان أكثر. 

ب. سلوك الإناث مقارنة بسلوك الذكور. 
الإناث في العالم المتقدم أثبتنَ أنفسهن أمام الرجال. لكن حتى عندما تنافس المرأة الرجال في الوظائف الذكورية ، ترى سلوكها ليس ذكورياً. فالأنثى بالمقارنة تراها أكثر إلتزاماً بالقوانين. تفضّل الحل الدبلوماسي في معالجة النزاعات. حتى إذا أعلنَت الحرب على أحد ، حربها باردة. أبسط مثال: الزوج يقود السيارة و يضيع في الطريق. تسأله زوجته: لماذا لا تسأل أحداً عن الإتجاهات؟ الزوج يغضب و "يطنقر". بينما زوجته تراضيه لاحقاً بطبخ وجبته المفضلة أو في غرفة النوم. 
    
ج. مقارنة الذكور الكبار في السن بالذكور المراهقين. 

"حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك" 
سورة الأحقاف. آية ١٥

"المُسِن الجالس يرى أبعد من الشاب الواقف" 
مثل أفريقي

الطباع التستوستيرونية مثل الحصان المتوحش. كبح جماحه و ترويضه و السيطرة عليه يتطلب زمناً طويلاً. لذلك الرجال في منتصف العمر يتحكمون في طباعهم التستوستيرونية أكثر من المراهقين الذين سلموا عواطفهم لهرموناتهم الذكورية منذ بلوغهم. لذلك المنظمات الإرهابية ترى في الشباب فريسة سهلة لغسيل المخ. و العمليات الإرهابية الإنتحارية و الفدائية وقودها رجال أعمارهم تحت الأربعين سنة.   

د. "المثقف الواعي"مقارنة "بالطيب على نيّاته". 
المثقف الذي يعي تأثير التستوستيرون على شخصيته يتحكم في ردة فعله عند الغضب. أفضل بكثير من الذي يتصرف على سجيّته. رعاة البقر في أمريكا المعروفين "بالكاوبوي" بسطاء جداً. لذلك سلوكهم التستوستيروني الواضح يجعلهم عرضة للسخرية أحياناً. البساطة في هذه الظروف ضارة. كلما زادت الثقافة و الوعي بتأثير هرمون الذكورة (السبب وراء كتابة هذا المقال) كلما قلّت التصرفات التستوستيرونية.

التصرفات التستوستيرونية تعكس غريزة حب البقاء و لا جدال على ذلك. 
لكن مع تحديات العصر الحديث ، أضرارها قد تكون أكثر من منافعها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق