الجمعة، 12 ديسمبر 2014

خلك إعلامي

 صديقة الوالدة فارقت أمي منذ عقود لظروف خاصة. عندما كنت رضيعاً حَمَلَتني بين ذراعيها مرة أو مرتين فقط. و بعدما قابلتها بعد ثلاثين سنة قالت لي "أنا ربيتك!"

حرب "عاصفة الصحراء" التي تمت بمساهمة ٢٨ دولة ، حرّرت الكويت من براثن الغزو العراقي سنة ١٩٩١ بقيادة الولايات المتحدة و التي كان لها نصيب الأسد في تخطيط و تنفيذ العملية العسكرية بكاملها. بعد التحرير صادفت بعض الإخوة العرب المنتمين لبعض الدول المشاركة. قالوا لي "نحن حرّرناكم!".  

عندما كنت طالباً في المدارس الحكومية في الكويت كانت مهمة أستاذ التربية البدنية آنذاك تسليمنا الكرة و إطلاقنا لنلعب كرة القدم في الملعب حتى نهاية الحصة. صادفت أحد أساتذة التربية البدنية في السوق فقال لي "أنا أتذكرك. أنت كنت تلميذي. أنا درّستك". ما شاء الله عليه. قارَن نفسه بأساتذة المواد الدسمة الذين درّسوني الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا. 

خلال فترة تدريبي الباطني في المستشفى الأميري صادفت في مواقف السيارات رجلاً لبنانياً في الستينات من عمره يسير على عكاز. كان يبحث عن مدخل الطواريء. قال لي "على فكرة يا دكتور. نحن بنينا هذا المستشفى". 

وقفتُ مندهشاً فسألته "هل أنت من صمّم المبنى؟" قال "لا".   

"هل أنت المقاول الذي إستلم مقاولة البناء؟" قال "لا".

"هل كنتَ مدير شركة الإنشاء التي إستلمَت المناقصة؟" قال "لا".

"إذاً مالذي فعلته؟" 
قال لي "أنا كنت أحد العمّال الذين قاموا بتمديد أنابيب التكييف المركزي للمستشفى!"

  منذ فترة وجيزة توفّى شخص عزيز من أهلي بعد صراع طويل مع المرض. هناك من كان يزور هذا المريض و يجالسه يومياً لساعات طويلة و يعتني به. و هناك من كان يزوره لخمس دقائق مرة واحدة في الشهر. طبعاً نمط الزيارة يعتمد على عوامل مختلفة منها: درجة صلة القرابة مع المريض ، و طبيعة شخصية الزائر ، و قوة العلاقة بين الزائر و المريض ، و ظروف الزمان و المكان. ما لفت نظري بعد الدفن أن أعلى أصوات البكاء و النحيب في العزاء كانت من أقل الناس زيارةً للمريض! 

في مجال عملي قابلت أطباء كويتيين مخضرمين إنجازاتهم الجبارة في تخصصاتهم ترفع رأس كل كويتي. لكنهم يكرهون الظهور الإعلامي و يفضلون العمل تحت الظل. حتى انني لا أجد أسماؤهم أو صورهم في الجرائد و المجلات. و عندما سألتهم عن سبب تخفّيهم المتعمّد قالوا لي "نحن لا نتكلم. و إنما إنجازنا يتكلم عن نفسه". 


من هذه القصص الواقعية التي حدثت لي لدي ملاحظة. لا قاعدة و لا قانون و إنما مجرد ملاحظة...

هؤلاء الأقل نشاطاً يلفتون الأنظار بأعلى صوت و أقوى دراما.

بينما "الزلم" الحقيقيون عادةً يعملون في صمت. التغطية الإعلامية من آخر أولوياتهم.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق