الخميس، 29 سبتمبر 2011

الاستشاري السكة

هذا المقال يلخص خبرتي المتواضعة مما لاحظته من سلوكيات لبعض الأطباء الاستشاريين خلال السنوات العشر السابقة. لأسباب مهنية و قانونية لن أذكر اسم أي شخص. لأن الغرض من هذا المقال التنوير لا التجريح. إستياء بعض الأفراد من محتوى هذا المقال نابع من مبدأ "اللي على رأسه بطحة يحسّس عليها" و إستياء كهذا من ناس كهؤلاء لست مسئولاً عنه.

يتربّع الطبيب الاستشاري على قمة الهرم الغذائي بين الأطباء ، و واجب على كل طبيب ناشئ أن يعرف شخصية استشاريه في العمل. هذا المقال موجّه أساساً الى زملائي الاطباء حديثي التخرج من كلية الطب. الغرض منه التأهب النفسي للقاء فئة "باغية" من الإستشاريين، وجودها "عار" على مهنة الطب التي هي بطبيعتها مهنة إنسانية بطبيعتها ، وتفادي هذه الفئة "الباغية" قدر الامكان.

يتكون العالم من ستة مليارات انسان. لكل انسان طباعه الخاصة التي تميزه عن غيره. و لكننا في وظيفتنا نستطيع أن "نختزل" شخصيات الاستشاريين في أربعة خانات رئيسية:

1. الإستشاري "القـدّيـس"
2. الإستشاري "الطبيعي" أو "العادي"
3. الإستشاري "الاجتماعي"
4. والإستشاري "السكة" ، الذي حوله يتمحور هذا المقال


1. الإستشاري "القـدّيـس"هذا النوع من الأطباء عملة نادرة جداً. فهو متفوق في دراسته ، متفان و شغوف في عمله ، حريص على تدريب الأطباء الناشئين ، حريص على مصلحتهم. متواضع جداً بالرغم من انجازاته العلمية الجبارة.
إذا كان القديس مديراً لبرنامج تدريبي، ترى برنامجه من أنجح البرامج على الإطلاق. إذا كان رئيسك من هذا النوع، تشبث به بالنواجذ! وانصح كل زملائك بملازمة هذا الانسان لأن معرفته بحد ذاتها مكسب.

2. الاستشاري "الطبيعي" أو "العادي".
استشاري من هذا النوع "طبيعي" بمعنى أنه يتماشى مع العرف العام في بيئة العمل. فهو يبتسم اذا سمع نكتة مضحكة و يعبس اذا سمع خبراً سيئاً. لا يمانع ان يدرّسك اذا كان لديك سؤال أو استفسار. لديه محاضرتين او ثلاث في السنة ، حسب الطلب. يواكب تكنولوجيا العصر ، لديه هاتف نقال ذكي (بلاك بيري او آيفون أو ما شابه) يتواصل فيه مع زملائه. لايمانع ان يعطيك رقم هاتفه إذا طلبتَ منه ذلك.

3. الاستشاري "الاجتماعي"
شخصيته مرحة، إجتماعي بطبيعته ، يشابه الاستشاري الطبيعي ، لكنه يفتقد الشغف لوظيفته.
فهو يتبادل معك النكات و يناقشك في كل الأمور غير الطبية ، و لديه مشاركات في الانترنت (المدونات ، فيس بوك ، تويتر ...الخ) ، لكنه لن يدرّسك أو يدربك في اي حال من الاحوال وتحت أي ظروف ، بالرغم من شخصيته الطيبة ، الا أنه يسعى لتهميش نفسه أكاديمياً (يعني صفر على اليسار).
أهم شيء عنده تأدية وظيفته بدون زيادة أو نقصان و أن يرجع الى بيته في نهاية الدوام الرسمي.
وجود هذا الشخص في حياتك كعدمه ، بالعربي الفصيح : إن حضرَ لا يُعَد ، و ان غابَ لا يُفتقَد.

4. الإستشاري "السكة"
تشكل هذه النوعية الاغلبية الساحقة من الاستشاريين في دول العالم الثالث. هذا المقال يركز على هذه النوعية من الاستشاريين. الإستشاري السكة يشوّه سمعة القسم و ربما المستشفى كله في بعض الأحيان. الإستشاري السكة يقتل طموح البعض من الأطباء الناشئين ، و يكون قدوة سيئة للبعض الآخر. ربما يجد البعض في صفة "السكة" بعض القسوة أو قلة الأدب و المهنية. ولكنني حاولت قد الامكان ايجاد صفة بديلة مناسبة و لائقة أكثر دون جدوى.


الاستشاري "السكة" هو واحد من اثنين:
1- شخص غبي، نجح في اختباراته بالحيلة (الواسطة او الفساد) أو بالحظ.
2- شخص ذكي و مجتهد و متفوق ، لكنه حمار بعناده و رعونته و غطرسته. و حموريته ممكن أن تكون موروثة أو مكتسبة (قدوته كان سكة أيضاً).

صفات الاستشاري السكة

الصفة الأولى: إزدواجية المعايير ، تفصيل الدوام حسب الطلب.احدى صفات الاستشاري الفاسد هي انه آخر من يداوم و أول من يرجع بيته آخر الدوام. بينما الاستشاري السكة أخذ هذا الفساد الى بُعد آخر جديد ، و بذلك أعني انه "يفصّل" دوامه ليتناسب مع راحته و إحتياجياته الشخصية حسب الطلب.

على سبيل المثال: اذا كان استشارياً في الجراحة ، فهو يتواجد في غرفة العمليات فقط طوال اليوم و يختار العمليات التي تناسبه. بمعنى أنه لا يعاين مرضاه قبل العملية و لا يتابع حالتهم بعد العملية ، يفحص شخصياً مرضى عيادته الخاصة فقط خلال ساعات العمل في القطاع العام. بينما يقوم زملاؤه بكل المهام ما قبل و بعد العملية الجراحية كأنهم خدماً يعملون تحت اشرافه. وهذا السلوك يتعارض مع كل الأخلاق الطبية المتعارف عليها.

إذا كان رئيساً للقسم، يرفض ازدواجية المعاييرعلى غيره ، و يطبق القانون على غيره "بحذافيره" ، ويقول للأطباء العاملين لديه "انا عايز سيستم system". لكن إذا مسّ القانون مصلحته الشخصية (لا سمح الله) ، رضي بإزدواجية المعايير على نفسه و استثنى نفسه من القوانين التي وضعها بنفسه لتطبيقها على غيره.

و هنا أشير الى أن الاستشاري السكة لا يعترف بمبدأ "القيادة بالقدوة" (Leadership by example).

فعندما يرتب جدول المناوبات الليلية (الخفارات) ، "يبدع" في تكثيف الخفارات على غيره و تقليلها على نفسه.

إذا غاب عن العمل لا يفتقده أحد. لذلك إجازاته الدورية تعتبر "أعياد رسمية" عند زملائه. مع العلم بأن وجود الاستشاري الحمار يعد سبباً رئيسياً في نفور الكفاءات ، و يتجلى هذا النفور في زيادة عدد استقالات الموظفين من المستشفى.

الصفة الثانية: "ده تلميزي"
اذا كان تخصصه يتطلب مهارات يدوية (جراحة، قسطرة قلب، منظار للمعدة و القولون...الخ) لا يعلمك هذه المهارات و لا حتى يشرح لك ما يفعله. و بعض الاحيان يرفض حتى دخولك معه الى غرفة العمليات!

و بالرغم من ذلك ، يصف الاستشاري نفسه بأنه "استاذك" حتى لو لم يدرسك و لم يدربك. و عندما يتحدث عنك مع الغير يقول "ده تلميزي". و اذا حدث خلاف بينك و بينه صرخ في وجهك قائلاً "انا سينيور عليك".

و خلال عملك معه ، عندما تسأله عن معلومة في تخصصه، رده المعتاد هو...
"روح بيتكم و إقرأ عنه Go home and read".


الصفة الثالثة: "عايش الدور"
يضع لتخصصه "برستيجاً" لا يليق به.
حيث انه يعطيك الانطباع بأن تخصصه للاطباء النوابغ فقط!
و كأن الدنيا لا يوجد فيها أخصائيين آخرين في تخصصه.
فهو يعيش الدور بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!
يظن بأنه نعمة الله على العالمين.
يهتم بحسن هندامه أكثر من اهتمامه بحسن أخلاقه وسلوكه.

بالنسبة له، الفرق بين الجونيور (Junior) و السينيور (Senior) مسألة حياة أو موت! مسألة حساسة جداً لايستهان بها بأي حال من الاحوال. فهو يناديك بمسمى "جونيور" طوال الوقت و يقولها لك باحتقار و ازدراء.

فهو لا يجالس الجونيورز، و يناديهم بالاسم الأول بدون لقب "دكتور". و هنا تلاحظ الفقدان الانتقائي للذاكرة ، لأن الاستشاري "المبجّل" نسي (أوتناسى) أنه نفسه كان في يوم من الأيام طبيباً ناشئاً حديث التخرج أيضاً.

الجدير بالذكر هنا الآتي...
أولاً: بالرغم من كرهه و احتقاره للجونيورز، إلا أن احترامه لهم يتزايد تدريجياً تزامناً مع ترقياتهم.
فكلما ارتقى الجونيور و تطور مسماه الوظيفي، كلما تغيرت لهجة الاستشاري السكة و نبرة صوته لهذا الجونيور.
بينما الاستشاري "القديس" يعاملك بأدب و احترام بغض النظر عن مسماك الوظيفي أو مؤهلاتك الدراسية.

ثانياً: معاملة الاستشاري السكة للجونيور تعتمد على عوامل أخرى لهذا الجونيور، مثل الجنسية ، و النسب ، و الجنس ، و المركز الوظيفي لوالد الجونيور. بالنسبة له، طاقم التمريض مسخّر لخدمته فقط. (أحد أهم الأسباب التي جعلت من التمريض مهنة طاردة للمواطنين). تستطيع ان تلاحظ هذا السلوك كالآتي:

- في العيادة الخارجية: لا ينادي المرضى في غرفة الانتظار. لأنها مهمة الممرضة.
- لا يقوم من كرسيه لمصافحة المريض قبل الفحص، و بعد الفحص لا يغير فرش السرير بنفسه ، لأنها مهمة الممرضة.
- عندما يمارس اجراء طبي تحت التعقيم، لا يعقم المريض بنفسه،لأنها مهمة الممرضة.
- في المناوبة الليلية، اذا اشتكى احد المرضى في منتصف الليل، يأمر الطبيب الممرضة للذهاب الى المريض لفحصه أولاً، لأنها مهمة الممرضة.
- عندما ينفعل ، يصرخ في وجه الممرضة قائلاً "انتِ مجرد ممرضة" (you are JUST a nurse) بلهجة استفزازية قليلة الأدب.

بالنسبة له ، المريض مجرد "حالة"
ينظر الى الى المريض على انه "حالة" وليس انساناً متكاملاً لديه إحساس و شعور و كرامة. و بذلك لا يراعي اي شكوى للمريض خارج تخصصه. مثال: طبيب القلب السكة لا يستمع لشكوى مريضه اذا كانت لديه أي شكوى أخرى غير القلب.

الصفة الرابعة: مزاجات ... مزاجات ... مزاجات
أنت أسير مزاجه. فإذا كان مزاجه صافياً، سألك بضعة اسئلة فنية دقيقة وتافهة في تخصصه ، لاتفيدك في حياتك العملية و لا تساعدك في دراساتك و اختباراتك. بمعنى آخر: معلومات لاتسمن و لاتغني من جوع.

و اذا كان مزاجه متعكراً، يسألك كثيراً عن حالات المرضى و يوبخك اذا لم تكن تعرف تفاصيل الدقيقة لكل مريض.
عندما يفتح فمه، تتدفق كميات هائلة من التفاهة والتناقض و ثقل الظل. ذلك لا لعدم وجود من يقف في وجهه و ينبهه على أخطائه.

أمثلة على التفاهة في الكلام و انعدام المنطق:
1. يأمرك بأن تكون في مكانين في وقت واحد!
على سبيل المثال ، يأمرك بأن تعمل في العيادة الخارجية و تغطي الحالات الحرجة في قسم الطوارئ في الوقت نفسه.

2. يصف نفسه عندما كان طبيباً متدرباً بعد تخرجه من كلية الطب بالصفات التالية: كان يعمل 16 ساعة في اليوم، و كان يقضي باقي ساعات يومه معتكفاً في الدراسة! (لا ينام أبداً). كان يداوم يومياً من بعد صلاة الفجر و ينتهي دوامه بعد صلاة المغرب. لم يرتكب أي أخطاء طبية أبداً. "ختم" دراسة كل الكتب في تخصصه قبل انتهائه من برنامجه التدريبي. و كان أميناً مخلصاً متفانياً في عمله حتى النخاع.

الصفة الخامسة: الفلوس أهم حاجة.
تفكيره مادي الى أبعد الحدود.
فهو يتفانى في القطاع الخاص ويكرس المستشفيات الحكومية لخدمة مرضى عيادته الخاصة.

غير ذلك ، يحرص كل الحرص ان يحصل على منصب أكاديمي في الهيئة التدريسية في الجامعة و في لجان الاختبارات في سبيل الحصول على البدلات و المكافآت المالية فقط. فليس لديه أي اهتمامات أو مساهمات أكاديمية لخدمة طلبة الطب و الأطباء حديثي التخرج. و اذا كان عضواً في الهيئة التدريسية في كلية الطب و لديه مؤلفات أو كتب، فهو يضغط على الطلبة لشراء كتبه، لأن أسئلة الاختبار ستأتي من كتبه.

و إذا كان عضواً في لجنة الاختبارات النظرية، تجده يضع أصعب الاسئلة (اسئلة صعبة عليه، هو شخصياً لايستطيع الاجابة عليها احياناً دون الاطلاع على المراجع!). و اذا كان عضواً في لجنة الاختبارات العملية ، لديه اعلى نسبة رسوب من الطلبة.

الخلاصة
أعيد و أنبّه على أن هذا الدليل لا يقصد أفراداً بشخصهم ، و انما هو مجموعة من أنماط لسلوكيات مشتركة في بعض الأطباء الذين تعاملهم معهم في السنوات العشر الماضية.

أخواني الأطباء الناشئين: دربكم المهني في بدايته ، وهو درب طويل و متعب ، يتطلب منكم التفاني و التفرغ و الشغف. لا تضيعوا وقتكم الثمين في العمل لدى استشاري "سكة" ، ذلك لأن معرفته خسارة ، و العمل معه مهانة ، و الإقتداء به غلطة ، والابتعاد عنه مكسب.

الخميس، 15 سبتمبر 2011

كيف تعرف المريض الذي لن يترك المستشفى؟

هناك مرضى  - من كبار السن و الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة- لديهم أمراض مستعصية تجعلهم طريحي الفراش، لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم. بالرغم من ذلك ، فإنهم يعيشون لسنوات طويلة بسبب تطور الطب و توفر العلاج المجاني، فتتحول أمراضهم "القاتلة" الى أمرض "مزمنة". بسبب مجانية الخدمة الصحية في بلداننا، نجد بعض أهالي هؤلاء المرضى يرفضون أخذ مرضاهم الى المنزل بعد انتهاء فترة العلاج. بمعنى آخر، يفضلون بقاء مرضاهم في المستشفى الى أجل غير مسمى.  

ما هي العلامات التي تشير الى ان المريض لن يترك المستشفى؟

 العلامة الأولى:
كلما ذكرت موضوع "الخروج من المستشفى" لأهل المريض، طلبوا منك "تقريراً مفصلاً عن الحالة" بحجة أنهم يرغبون في الحصول على رأي طبيب آخر في مستشفى آخر. 

 العلامة الثانية:
أهل المريض يقولون لك بأنهم "يجهزون" غرفة لمريضهم في البيت. و التجهيز قد يستغرق أياماً أو أسابيع. 

 العلامة الثالثة:
بعد العلامة الثانية ببضعة أسابيع، أهل المريض  يقولون لك بأن الغرفة جاهزة و لكنهم طلبوا "ممرضة خاصة" و استقدامها قد يستغرق أياماً أو أسابيع. 

العلامة الرابعة:
عدد الأهالي حول المريض يقل تدريجياً مع الأيام ، الى ان ترى المريض وحده و بجانبه خادم أو خادمة. 

العلامة الخامسة:
أهل المريض يزورون مريضهم مرة أو مرتين في الأسبوع، و إذا لاحظوا أدنى تقصير من فريق التمريض، هاجموهم بشراسة شديدة مبالغ بها (باللفظ أو الضرب). ذلك يعتبر ردة فعل متوقعة من أهل المريض اذا كانوا مقصرين في حق مريضهم. 

العلامة السادسة:
اذا كانت علة المريض ليس لها اي علاج في أي مكان في العالم، يحاول أهل المريض إرسال مريضهم للعلاج في الخارج خلال فترة الصيف و لأسباب واضحة.

 العلامة  السابعة: 
بعد كل العلامات الستة أعلاه. أهل المريض يأتونك بواسطة "من فوق" ترغمك على إبقاء المريض في المستشفى رغماً عن أنفك. و إذا خالفتَ الأوامر "العليا" ستدفع الثمن غالياً الذي لا يعني بالضرورة فصلك عن العمل. و إنما هو الأسوأ من ذلك: تهميشك بنقلك إلى مستشفى "قلعة وادرين". 

طوّر ذاتك

لأسباب قانونية و مهنية و أدبية ، لن أذكر اسم أي شخص يعمل (أو يدرّب) في مجال تطوير الذات.

"من جدّ وجد ، ومن زرع حصد" ..."الوقوع ليس فشلاً ، الفشل هو عدم النهوض"

"لا يوجد هناك تلميذ فاشل ، فقط مدرس فاشل" ... "لتكن أنت ... من يقرع الأجراس"  

حكم و جُمَل رنّانة رددها الأنبياء و الرسل و الحكماء و العظماء في كل زمان و مكان. تُضاف إلى رصيد الأدب الإنساني الخالد. عبارات تلهمنا. أخذ البعض هذه العبارات ليعيدوا صياغتها و يبيعوها على السذّج "للاستهلاك اليومي".

 يعتبر مجال "تطوير الذات" جديد نسبياً في الساحة العربية. هناك الكثير مثلي ممن تهافتوا لقراءة هذه النوعية من الكتب. الأمر الذي شجع البعض على إضافة صبغة "علمية" عليها كي تكون هيبةً و جاذبية. كما أن هناك آخرون من ضعاف النفوس ممن استغلوا  بساطة الناس فأقاموا الدورات و "ورش العمل" لصناعة "القادة" كما يزعمون.

كل "دورة" أو "ورشة عمل" تكلّف مبلغاً و قدره. هناك دائماً من هو على إستعداد لدفع هذه المبالغ للاستفادة من هذه "الدورات" التي هي أساساً بيع السمك في البحر من حيث المبدأ.



لم أكن يوماً أستاذاً لتطوير الذات. لكني أمضيت سنوات طويلة في قراءة العديد من كتب "تطوير الذات" بشتى أسمائها أيام الجامعة. كنت آنذاك أشتري أي كتاب تقع عليه عيناي في المكتبة تحت بند "مساعدة النفس" أو "تطوير النفس" 
(self improvement, self help).    


من الذي يحضر هذه الدورات؟
من احتكاكي بالأفراد الذين يحرصون على حضور هذه الدورات. بالرغم من تنوع  أصولهم و معتقداتهم و جنسياتهم. إلا أنهم في النهاية ينتمون لواحدة من هذه الخانات الأربع:  

1- خانة "الحالم الهارب".
شخص يعيش حياة مُرّة لا تطاق في البيت أو العمل. يذهب إلى هذه المحاضرات للتنفيس و الاستمتاع بالكلام المنمّق الجميل الساحر الذي يعَد بمثابة المخدر الذي يسكّن آلامه مؤقتاً.  

2- خانة "المضبّط".
المضبط باللهجة الكويتية المعاصرة هو من يحاول الالتقاء بالجنس الآخر لأغراض غير بريئة. بما أن محاضرات كهذه فيها الاختلاط مسموح (بعكس الحلقات الدينية في المساجد مثلاً) كل ما يحتاجه "المضبّط" هو الظهور في تلك المحاضرات و معه "صنّارته" ليصطادَ بها إذا حالفه الحظ. مثلما يقال "إذا أكو نابر".   

3- خانة "صاحب الأجندة الخفية".
وهو أخبث نوع. شخص لديه أهداف معيّنة يسعى لتحقيقها من خلال حضوره هذه المحاضرات. كحشو سيرته الذاتية مثلاً.  "تطوير الذات" ليس أحد هذه الأهداف.  

4- خانة "الباحث عن الحقيقة".
هذا المصطلح ليس من تأليفي. إنما هو لقب الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه. هذا الإنسان الذي سافر من بلاد فارس إلى الروم و من هناك إلى شبه الجزيرة العربية باحثاً عن الدين الصحيح. إلى أن التقى برجلٍ في المدينة المنورة ، قادم من مكة ، فيه صفات النبوة. (القصة بالتفصيل: في كتاب "رجال حول الرسول" – خالد محمد خالد).    

هذا المقال موجّه للباحثين عن الحقيقة.
هذا المقال لن يغير نوايا الناس المنتمين للخانات الثلاث الأولى.

 هجوم شرس من أتباع تطوير الذات: من أنت الذي تسخر من أساتذة تطوير الذات؟

و هنا أجيب على هؤلاء بسؤال آخر: من هم أساتذة تطوير الذات؟
لنضع السيرة الذاتية المطوّلة لهؤلاء الأساتذة "تحت المجهر". لن أذكر اسم أي شخص. و لكن إذا ذهبت إلى المكتبة أو تصفحت الانترنت و تعمقت في السيرة الذاتية لمؤلفي كتب تطوير الذات ، ستجد فيهم مجموعة من الصفات المشتركة نلخصها في الآتي:

1- شخص بدون مؤهل علمي. 
لم يفلح في كليّة أو معهد أو جامعة. قضى حياته متنقلاً بين الدورات التدريبية و ورش العمل أو دراسة جامعية "بالمراسلة" دون الالتحاق بجامعة حقيقية ذات برنامج أكاديمي مكثف و ملموس كباقي الجامعيين الحقيقيين.  

2- "دكتور" و لكن في مجال آخر.
شخص لديه شهادة جامعية حقيقية و لقب فعلي (دكتور/بروفيسور/مهندس/أستاذ) في تخصص ليس له علاقة بتطوير الذات بالمرة. على سبيل المثال: طبيب بيطري يتحدث عن تطوير الذات و يلقب نفسه "دكتور" أمام الناس (لم يكذب الرجل ، فهو بالفعل "دكتور"!).   

3- شخص أَولى بنصائحه من غيره.
شخص فاشل في حياته. غطى فشله بنصح غيره. على سبيل المثال: رجل مطلّق يعلم الناس أسرار الزواج الناجح. أو تاجر لم يكسب قط في أي صفقة تجارية و يعطي الناس محاضرات في إدارة الأعمال. أو رجل جلف انطوائي قليل الأدب قاطع الرحم بذيء اللسان، يعلم الناس الأخلاق و فن الخطابة و فن المحادثة و يشجعهم على صلة الرحم.  

4- ولد الحمايل.
شخص "مرفّه" وُلِدَ و في فمه ملعقة من ذهب. نام طوال حياته على ريش النعام. لم يذق المرارة في حياته أبداً و لم يكدح لكسب قوت يومه. يؤلف كتب تطوير الذات و هو يقطن في قصره العاجي.  

فن تحوير الكلام و وضع المعلومات في "إطارات" جذّابة
 لا شك بأن هناك من يملك  موهبة في البيع و تسويق المنتج. اذهب إلى وكالة للسيارات و لاحظ "مندوب المبيعات" (Salesman) وهو يستقبلك  بالمصافحة الحارة و الابتسامة العريضة و كأنه يعرفك منذ زمن بعيد. يتفنن في مدح بضاعته لإقناعك بشراء سيارة من معرضه. حتى إذا كانت السيارات عديمة الجودة أو مغشوشة. في النهاية هذا رزقه وهذه متطلبات مهنته. و كما يقول المثل المصري "بين البائع و الشاري يفتح الله".     

نفس مهارات البيع و التسويق هذه موجودة عند أهل السياسة. عندما يرشح شخص نفسه للبرلمان أو لأي منصب قيادي.  تلاحظ تدفق كلامه المعسول المليء بالوعود و حضوره المهيب الذي لا يخلو من الكاريزما. لكنها و للأسف كاريزما كاذبة، الهدف منها "تخدير" الناس بالوعود الجوفاء و الأحلام الوردية التي تتلاشى بمجرد فوز الشخص المعني في الانتخابات.   نفس المهارات هذه موجودة لدى أساتذة "تطوير الذات" و يستخدمونها في محاضراتهم لتخدير مستمعيهم، يبنون لهم قصوراً في الخيال.

و الجدير بالذكر هنا أن البضاعة أحياناً لا تكون مغرية إلا إذا كانت غامضة. و لا توجد هناك فنونا أكثر غموضاً من فنون الشرق الأقصى القتالية (الكاراتيه - الكونغ فو- التايكوندو...الخ) و الاسترخائية (تاي تشي) و العلاجية أيضاً (طاقة الريكي و البرانا ...الخ).   إذا وضعت هذه المهارات و "البضائع" آنفة الذكر تحت المجهر أيضا ، ستجدها تفتقر إلى الدليل العلمي الملموس. و ليس ذلك فحسب ، و إنما حتى أصحاب الصنعة أنفسهم لا يعترفون بها تحت الطاولة. و يسخرون ممن يقتدي بها حرفياً.  

إنها ليست هواية أو مهنة فحسب ، و إنما "تغيير لنهج الحياة"
مثال على تحوير الكلام ، قصتي الواقعية مع ثلاث أشخاص. لن أذكر أسماؤهم و لن أذكر حتى اختصاصاتهم بالضبط ، و لكنني سأكتفي بوصفهم بشكل عام بالصفات التالية: "الخطيب الحماسي" و "مدرب السلاح الأبيض" و "عميد الكليّة"

في سنة من السنوات طلب مني الخطيب الحماسي الالتحاق بنادي الخطابة الذي يعمل فيه. و كأي مندوب مبيعات ، حاول إقناعي بشتى الطرق لأشترك بناديه. قال لي "في الظاهر ستتعلم الخطابة و فنونها. و لكن في الباطن ستتعلم أمورا أخرى ستجعلك إنسانا أفضل".  

في فترة أخرى ، و بناءا على طلب أحد أصدقائي، اشتركت في نادي لتدريب احد فنون السلاح الأبيض. كان صاحب النادي هو المدرب نفسه ، و بالرغم من أنه عربي خليجي أباً عن جد ، إلا انه كان متأثرًا جداً بسلوك و هيبة  أساتذة السلاح الأبيض في الشرق الأقصى الذين درّبوه. و كيف يعاملوهم تلاميذهم على أنهم "آلهة" و ليسوا بشراً. عندما اشتركنا في النادي ، اجتمع بنا و قال لنا "في الظاهر ستتعلمون فنون السلاح الأبيض ، و لكنكم في الباطن ستتعلمون أمورا أخرى ستجعلكم أفضل الناس".   

وقتها تذكرت حالي عندما كنت طالبا للطب في ايرلندا ، عندما اجتمع بنا عميد كلية الطب في سنة من السنوات وقال لنا "في الظاهر ستتعلمون الطب ، و لكن في الباطن ستتعلمون أمورا أخرى ستجعلكم أحسن الناس".

هل لاحظت وجه التشابه في كلام الأشخاص الثلاث؟ هذا هو فن المبيعات و هكذا يباع المنتج!

و الشيء بالشيء يذكر، اكتشفت لاحقاً بأن مدرب السلاح الأبيض المتسم بالوقار كان مدمناً على مشتقات الأفيون بسبب ألم مزمن في بطنه. لماذا لم يلجأ هذا المدرب الى أساليب الاستشفاء بالطاقة الكونية؟ أعني بها الأساليب "الاستشفائية" نفسها التي كان يدرسها لتلاميذه؟

عوامل النجاح التي يتجاهلها أساتذة تطوير الذات
يتمحور كلام أساتذة تطوير الذات على أن كل إنسان يستطيع أن ينجح بإرادته و عزيمته، بدون  تأثير أي عوامل أخرى. العوامل التالية تلعب دوراً كبيرا في نجاح الناس. و سردها هنا ليس لإعادة اختراع العجلة و إنما للتذكير و ترتيب الأفكار ليس إلا.  هذه العوامل ربما تأتي بمجموعات و ليست مستقلة عن بعضها بالضرورة:

الحظ - الاختيار الطبيعي - الظروف الملائمة أو "العصر الذهبي" – النسب - الجينات الوراثية أو "الموهبة"  

1- الحظ
لا أحتاج أن أشرح أهمية هذا العامل المهم الذي يعرفه الجميع. فإذا كنتَ يهودياً في ألمانيا النازية فأنت غير محظوظ و الأسباب واضحة. أما إذا كنت بعثياً تعيش في العراق أيام صدام حسين فمعناها أبواب الخير مفتوحة لك.  

قيل بأن المدير التنفيذي لشركة أبل "ستيف جوبز" ينحدر من أصول "سورية" وقد تبنته عائلة أمريكية عندما وُلد. هل سيكون "ستيف" ناجحاً كما هو الآن لو كان مولوداً و مترعرعاً في سوريا؟  

و لو بقي د. أحمد زويل في مصر ، هل كان سيفوز بجائزة نوبل؟ ونطرح نفس السؤال الافتراضي عن "السّير" مجدي يعقوب، جراح القلوب العالمي ، بريطاني الجنسية - مصري الأصل. هل كان نجمه سيتألق في جراحة القلب لو بقي في مصر؟   

أحد الشروط المطلوبة من المرشّح لرئاسة الولايات المتحدة أن يكون مولوداً على أرض أمريكية. باراك أوباما أحضر شهادة ميلاده التي تثبت أنه من مواليد هاواي. كان من المستحيل أن يرشح نفسه للرئاسة لو كان مولوداً في بلد أبيه.  

2- الاختيار الطبيعي
في الأفلام الوثائقية للحياة الطبيعية على قناة الديسكفري أو الناشيونال جيوغرافيك ، نرى الوحوش الكاسرة عندما تهاجم البهائم ، تفترس الضعيف منها الذي لا يمتلك القدرة الجسدية للدفاع عن نفسه أو الهرب. هذه شريعة الغاب ، البقاء للأنسب.

 في حياتنا المدنية منذ أن خلق الله الأرض و الطبيعة "تنتخب" الكائن الأنسب للعيش على أرضها. و لعل أبرز مثال على ذلك مرض خلايا الدم المنجلية (Sickle Cell Disease). هذا المرض الوراثي الخبيث ، مصدره أفريقيا ، يتمتع حامل هذا المرض بمناعة طبيعية ضد مرض الملاريا. و من هذا المثل تتضح ظاهرة الاختيار الطبيعي ، فالمستعمر الأوروبي للقارة الأفريقية ، بالرغم من صحة دمه ، يموت من مرض الملاريا. بينما يعيش فيها الأفريقي الحامل لمرض خلايا الدم المنجلية لأن دمه منيع ضد الملاريا.   كذلك الحال في تطوير الذات. عندما يعلمك "أستاذك" على تطوير أساليب و "تكتيكات" و وصفات غذائية لإطالة عمرك و تمديد صحتك ، متغاضين بذلك عن ظاهرة الاختيار الطبيعي التي لا دخل للإنسان فيها.    

3- الظروف الملائمة أو "العصر الذهبي"
إذا حصل لك أن جالست جدك (أو أي شخص مسن) ، سيحكي لك عن "أيام الزمن الماضي الجميل" عندما كانت الحياة بسيطة و أسعار البيوت رخيصة. ربما يقول لك كيف تزوج "جدتك" بمهر زهيد (مقارنة بمهور هذه الأيام).

 في كل دول العالم ، تعيش بعض الأجيال حياة رغدة غنية لم تنعم بها الأجيال السابقة. و لن تنعم بها الأجيال القادمة. هذه الفترة تسمى بالعصر الذهبي. و هو العصر الذي تجد فيه الأسعار رخيصة و الفرص متوفرة و القيمة الشرائية للعملة جيدة. فهنيئا للجيل الذي عاش العصر الذهبي ، و لا عزاء للأجيال التي لم تعاصر هذه الفترة الثريّة.  

و بالنسبة للظروف الملائمة ، فلا شك بأن كل حقبة زمنية لها متطلبات معينة. و الأوائل (Pioneers) المستعدون لتلبية هذه الطلبات ينجحون نجاحاً ساحقاً مقارنةً بالأجيال التي تليهم.   على سبيل المثال: إذا كنتَ تعيش في أي دولة في العالم قبل 500 عام و كنتَ وقتها تجيد القراءة و الكتابة و الحساب ، فأنت في نظر الناس "سلعة رابحة" ، تستطيع الحصول على وظيفة في لمح البصر. و في عصرنا الحالي ، إذا كانت لديك شهادة جامعية في تكنولوجيا الاتصالات و المعلومات و الكمبيوتر ، فأنت أيضاً "سلعة رابحة" وتستطيع الحصول على وظيفة أسرع من غيرك.    

4- النسب
هنا لا داعي للشرح التفصيلي. لأن ابن الملك أمير. و ابن المليونير مليونير. و ابن الفقير فقير. و أبناء التجار يرثون المهنة و رأس المال من آبائهم. فإذا رغب ابن التاجر في أن يبدأ تجارة ما ، سيجد كل الأبواب مفتوحة أمامه ، بكل التسهيلات ، دون أن تكون هناك لوائح أو قوانين تمنعه. و تجارته ستنجح نجاحاً ساحقاً بالتأكيد. ذلك لأن القوانين و اللوائح موجودة للحد من نشاط أبناء الفقراء الذين يطمحون لحياة أفضل من حياة آبائهم المساكين!

5- الجينات الوراثية أو "الموهبة"
المغنية الأمريكية الشهيرة "ماريا كاري" (Mariah Carey) لقبوها "بملكة البوب"  صاحبة الصوت العذب. باعت في التسعينات ملايين الأسطوانات. ورثت ماريا صوتها من أمها التي كانت تغني في الأوبرا (موهبة موروثة). و كان مدير أعمالها في بداية مشوارها "تومي موتولا" المدير التنفيذي لشركة سوني للتسجيلات الذي أصبح زوجها لاحقاً. حظ يكسّر الصخر!    

وغيرهم الملايين من الناس. فالرجل الأمريكي طويل القامة صاحب اللياقة البدنية العالية و ردّة الفعل السريعة سيتفوق في كرة السلة و سيغلب نظيره القزم الصومالي بطيء الحركة عديم اللياقة البدنية سيء التغذية! و هناك من الناس من ولِدَ قائداً و آخرون ولِدوا ليتبعوا هذا القائد.  

و للعلم ، أي شخص لديه في بيته أكثر من طفل يعلم ما أعنيه عندما أتحدث عن المواهب و الميول و تنوعها لأن الطفل لا يأتي إلى هذا العالم "كالصفحة البيضاء" كما يزعم البعض.  

السوق المفتوح و العلم المبني على الدليل  
لست خبيراً في التجارة ، ولكن من المتعارف عليه أن أي حرفة أو مهنة قديمة و عريقة لها أصول و ضوابط و مقاييس يتم وضعها من قِبَل أهل الصنعة أو الجهات الحكومية المعنية بذلك. و الغرض منها تقليل الغش و مكافحة النصب و الاحتيال و في نهاية المطاف ، حماية المستهلك.

فعلى سبيل المثال:  لا أحد يستطيع أن يمارس مهنة الطب إلا إذا كان متخرجاً من كلية طب معترف بها. و لا أحد يستطيع ممارسة التجارة إلا إذا كانت لديه رخصة تجارية سارية المفعول من وزارة التجارة. أما السوق "المفتوح" بطبيعته "مفتوح على مصراعيه" لأنه يخلو من الضوابط و القوانين و المعايير، كل من هب و دب يستطيع أن يمارس المهنة أو الحرفة التي يرغب بها دون أن يردعه أحد ، و بالتالي يختلط الطيب بالخبيث و الشريف بالغشّاش و الأصلي بالتقليد.    

بيع البضاعة و الخط الفاصل بين النصب و المنفعة
عندما تذهب إلى الطبيب في القطاع الخاص ، في بعض الأحيان يكون هذا الطبيب "نصّاب" أو "تحت ضغوط" من الإدارة لتحقيق أعلى نسبة من الأرباح ، و بالتالي يمارس بعض الحيل "ليحلب" المريض قدر المستطاع.
على سبيل المثال: يطلب من المريض عمل تحاليل روتينية ليس لها أهمية ، أو أن يعطي المريض موعدا ليراجع العيادة بشكل دوري حتى إذا لم يكن هناك ما يدعو لذلك ، و في بعض الأوقات ، يصل النصب إلى درجة تجعل الطبيب يجري عملية جراحية لمريض لا يحتاجها!  و النصب هذا موجود في كل الوظائف. مثل المدرس الذي يرغم الطالب على أخذ دروس خصوصية ، أو الميكانيكي الذي "يصلّح" محرك سيارتك الجديد السليم الذي لا يحتاج إلى صيانة! و للأسف في بعض الأحيان لا نستطيع تمييز الحد الفاصل في النصب و خدمة الزبون الفعلية.   نفس الوضع ينطبق على تطوير الذات. ففي بعض الأحيان لا تحتاج إلى أحد "ليطوّرك" و بالرغم من ذلك يأتيك أحد "منهم" و يحاول قدر الإمكان إقناعك لحضور "ورشة عمل" لتعليمك مهارات لا تسمن و لا تغني من جوع.

بعد كل هذا الكلام، ما هو الحل؟
1- اسأل أهل الاختصاص.
فإذا كنت ترغب في إتقان مهارة ما ، اسأل أهل الاختصاص و الخبرة لاكتساب هذه المهارة ، أفضل من استشارة أساتذة تطوير الذات ، لأنهم أولى بنصائحهم من غيرهم. بين فترة و أخرى تجد في المكتبات كتبا ألّفها محترفون ناجحون في مجال تخصصهم ، يروون فيها قصص نجاحهم الفعلية و العقبات التي واجهوها و كيف تغلبوا عليها.  

2- ابحث عن صديق وفي.
 لكنه لا يتوفر دائماً على الأرفف و الواجهات الإعلانية. شاهد إعلانات السيارات في التلفزيون. ستلاحظ دعايات السيارات الأمريكية أكثر بكثير من دعايات السيارات الألمانية. و هذا حال الدنيا. فالمنتج الجيد إعلاناته كثيرة ، بينما المنتج الممتاز إعلاناته أقل نسبياً. فإذا كنت تريد أن تطور نفسك مجاناً ، ابحث عن صديق حميم "معرفته مكسب" و "معاشرته مطلب". يجب أن تبحث عنه لأن العثور عليه ليس بالأمر السهل.  

3- لا تشتري بنقودك شيئاً مجانياً.
أياً كان دينك أو مذهبك أو معتقدك ، ستجد أن الوعظ الديني المجاني (في المساجد و الكنائس و المعابد في كل الأديان) لا يختلف في محتواه كثيراً عن دورات تطوير الذات التي تكلفك المبالغ الطائلة. كلهم يشجعون على احترام الغير و الإحسان و المحبة و التآخي و فعل الخير بكل أنواعه و المثابرة و النجاح و التضحية.    

4- خلّك واقعي.
إذا كانت "فلوسك زائدة" ، تستطيع إيداعها في البنك ، أو تشتري بها أسهماً في البورصة ، أو تتصدق بها على الفقراء ، أو تصرفها في سياحة أو سفر ، أو تستثمرها في مشروع تجاري. لا تبذرها على دورات و ورش عمل لتطوير الذات و ما شابه من الأنشطة التي لن تقدم و لن تؤخر في تطوير ذاتك.  

ملاحظة: هذا المقال مجاني 100% و "طالع من القلب". غير مدعوم من أي جهة و الدوافع من ورائه إنسانية بحتة. إذا كانت لديك أي ملاحظات ، تستطيع مراسلتي مجاناً.