الأحد، 23 فبراير 2014

خلك ذيب


خلك ذيب !

إعتاد البعض في مجتمعنا الخليجي على إطلاق صفة "ذيب" لمدح الشخص العدواني و النبيه الناصح في الوقت ذاته. تشبهاً بالذئب لأنه كائن ماكر و متوحش. هذا هو معناها الظاهر. لكن "ذيب" لها معنى آخر باطن. الغشاشين و المحتالين و اللصوص يخالفون  القانون و تقع عليهم عقوبات في حال كشفهم و إصطيادهم. بينما “الذيب" هو من يبحث عن الثغرات في كل عُرف و قانون و عقلية ليستغلها حتماً لصالحه. بذلك لا يحق لأحد محاسبته. في العالم العربي أحياناً قوانيننا المطلقة الإرتجالية وأعرافنا الراسخة غير المدروسة لها ثغرات كبيرة إلى درجة مضحكة. 

سأسرد خمسة أمثلة على هذه القوانين و كيف يعالجها "الذيب".

قانون ١: الشهادة العلمية أهم من الخبرة.
النتيجة المرجوة من الدراسة الأكاديمية في أي مجال هي التفوق الوظيفي. بعد الثورة الصناعية في أوروبا أصبحت هناك حاجة لأيدي عاملة ماهرة و خبرات تحرك المصانع و تديرها. لذلك أصبح التعليم النظامي (مدارس-معاهد-جامعات) شاملاً و إلزامياً لكل طبقات المجتمع.

العرب الذين قلدوا الغرب في فرض التعليم وقعوا في الفخ. ذلك لأنهم نسوا السبب الأساسي الذي من أجله تأسّس التعليم: صقل المواهب و الخبرات لتأهيل الأيدي العاملة الماهرة. لذلك وضعوا الأولوية لأصحاب الشهادة العلمية النظرية و فضلوهم على أصحاب الخبرة العملية.  

الذيب: يستغل هذه الثغرة. يكمل تعليمه النظري و غرضه الأساسي الترقية السريعة. الذيب يدرك بأن الخبرة و جودة الإنتاج و الشغف في العمل شروط غير مهمة طالما أن الشهادة الجامعية متوفرة

قانون ٢: شهادات جامعات الدول المتقدمة أفضل من الشهادات المحلية.
لا شك في أن أفضل جامعات العالم موجودة في الغرب. لكن الخدعة في الموضوع أن التعليم في الغرب لا مركزي. بمعنى آخر ، التعليم في الغرب سوق مفتوح للجميع. الجامعات الراقية موجودة (أوكسفورد و هارفارد و ستانفورد ..الخ) و الجامعات السيئة موجودة أيضاً. لكن عندنا ، أي جامعة في أمريكا  الشمالية أو أوروبا ممتازة. تذكر أن فطوطة مخرج أنتيكة ، متعلّم سيما في أمريكا!
  
في الكويت و لله الحمد المواطن الكويتي وظيفته الحكومية مضمونة ، سواء تخرج من الداخل أو الخارج. المصيبة في بعض الدول العربية الأخرى التي تقدس الشهادة الأجنبية أياً كانت ، و تضع حولها هالة من النور. بل و تستثني خريجي الدول المتقدمة من شروط كثيرة و تعطيهم الأولوية في التوظيف. 

الذيب: يلتحق بأي جامعة في الخارج و يتخرج منها بشهادته البراقة و له كل الإحترام و التقدير. لا يهم إذا كان هذا الخريج متفوقاً أو ماهراً في تخصصه. لا يهم إن كان نشيطاً أو شغوفاً. أهم شيء أن شهادته "من برة".

قانون ٣: الخبير الأجنبي أفضل من الخبير المحلي.
 "عنزة الفريج تحب التيس الغريب" على كل المستويات.

نحن نقيّم الشخص حسب جنسيته قبل كل شيء. لذلك نرى تحت نفس المسمى الوظيفي:
الخبير الآسيوي راتبه أقل من راتب زميله العربي.
و العربي راتبه أقل من راتب زميله المواطن.
و المواطن راتبه أقل من راتب زميله الأجنبي من دول الغرب.
و كلهم لهم نفس الوظيفة بنفس مواصفاتها.  

الذيب: يهاجر إلى الغرب ليتجنّس و يرجع للعمل في البلدان العربية بجنسيته الأمريكية أو الكندية أو الأوروبية.
هو الشخص نفسه قبل و بعد التجنيس الغربي. لكن راتبه بالجواز الجديد أصبح أضعاف راتبه بالجواز القديم.  

قانون ٤: الأقدمية أهم من الكفاءة. 
الدول المتقدمة تفرض المساواة في الحقوق و الفرص على كل فئات المجتمع.
السود والبيض و النساء و الرجال و الشواذ جنسياً و معتنقي كل الأديان و المذاهب كلهم لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات.

المعيار الوحيد الفاصل هو الكفاءة. 
و في القطاع الخاص بالذات حيث المنافسة لا ترحم ، البقاء للأكفأ. 
في دول العالم الثالث ، الخبير "القديم" نفوذه الأقوى و هو فوق كل الشبهات و النقد.
كل ذلك فقط لأنه قديم في مجاله. بمعنى أن البقاء حتماً للأقدم. 

الذيب: يتخصص في الوظائف النادرة و التخصصات الجديدة المرغوبة في البلاد ليكون من الأوائل في مجاله. بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد: يسجل إسمه في التاريخ اليوم ، ليكون من أصحاب الحصانة غداً. حتى لو الأجيال التي جاءت بعده كانت أفضل منه. في الكويت نرى قانون "البقاء للأقدم" في كل المجالات المهنية ، لا سيما الطب. 

قانون ٥: كل مهنة لها راتب موحّد لكل تخصصاتها.
في القطاع الحكومي عموماً ، كل مهنة لها راتب واحد بغض النظر عن التخصص.

على سبيل المثال...
في مهنة التعليم: راتب أستاذ التربية البدنية للإبتدائية يعادل راتب نظيره أستاذ الرياضيات للثانوية.
في مهنة الطب: راتب طبيب العائلة يعادل راتب نظيره طبيب القلب.
البعض يقفز معترضاً يقول "هناك بدلات للتخصصات النادرة".
لكن لنسأله بصراحة: كم يفرق بدل التخصص النادر؟ ٥٠ دينار شهرياً؟ ١٠٠ دينار شهرياً؟

بينما في الغرب ، التخصصات النادرة المطلوبة تعرض مرتبات و حوافز مغرية أكثر لتجذب الطامحين لها. 

الذيب: يسبق الجميع و ينتهز الفرصة ليتوظّف في أسهل تخصص في المهنة. لسان حاله يقول "بما أن الرواتب موحّدة ، لماذا أقتل نفسي في التخصص المتعب؟". 


"الذيب" في سياق هذه المقالة موجود في كل زمان و مكان.
سلوك الذيب موروث و مكتسب. بمعنى أن الذئب يعلّم زملاءه كيف يكونون ذئاباً.
الفرق بين العالم الثالث و الدول المتقدمة أن الأخيرة قوانينها و أعرافها مدروسة ، يتم تحديثها و تطويرها بشكل دوري لسد أو تقليل ثغراتها. وبالتالي تصعيب إختراقها من قِبَل الذئاب.  

هناك ملاحظة بسيطة على شخصية "الذيب"...
كل أساليب المكر و الخداع نتائجها ناجحة على المدى القريب فقط. 

سؤال المليون: ماذا حصدنا من تفكير "الذيب" على المدى البعيد للأجيال القادمة؟ 
- مستشفياتنا ممتلئة بالأطباء القدامى ذوي الحصانة الذين يحاربون أي دماء جديدة. ذوي الدماء الجديدة ينهجون نهج أسلافهم حالما يصلون الى المنصب ، و هلم جرا.  

- جامعيون من كل المهن شهاداتهم الأجنبية برّاقة من جامعات غربية مجهولة الجودة. خبرتهم ضحلة في تخصصاتهم. بينما أصحاب الخبرة الحقيقيون تهمّشوا أو تقاعدوا مبكّراً بالإجبار. 

- أعلى نسبة للأطباء الكويتيين نراها في تخصص طب العائلة (حسب إحصائيات معهد الكويت للتخصصات الطبية). بينما التخصصات الطبية المتعبة و الصعبة (طب التخدير و العناية المركزة مثلاً) لا تزال نادرة نسبياً. العمالة الأجنبية تسد هذا العجز. 

- إذا فلان مدرّس كويتي ، معناها أغلب الظن هو أستاذ في التربية البدنية أو التربية الفنية أو التربية الإسلامية أو المواد الإجتماعية. أما المواد الأخرى مثل اللغات (عربي-انجليزي-فرنسي) و العلوم (كيمياء-فيزياء-أحياء) و الرياضيات لا تزال تحت خانة "التخصص النادر". العمالة الأجنبية تسد هذا العجز أيضاً.  

- راتب الموظف حسب جنسيته. فإذا كانت جنسيته مرغوبة أصبح راتبه عالياً حتى لو كان "ثور ما يفهم". أما إذا كانت جنسيته غير مرغوبة ، راتبه ضئيل حتى لو كان آينشتاين زمانه.   

في النهاية ، نصيحة "خلك ذيب" ربما نفعت أجدادنا في بيئتهم القاسية. لكنها لا تنفعنا بالضرورة في القرن الواحد والعشرين.
الحل الأبسط لمحاربة الذئاب هو تحديث قوانيننا و بالتالي عقلياتنا لتقليل أضرارهم على المدى البعيد.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق