"الحصانة" تعني بالضرورة تمتع صاحبها بإستثناءات معينة لتجعل منه حالة "إستثنائية" فوق القانون. على سبيل المثال: ليس من حق أمن المطار تفتيش حقائب الدبلوماسيين و لا إلقاء القبض عليهم في بعض القضايا. حامل جواز السفر الدبلوماسي له معاملة مختلفة أيضاً. الحصانة الدبلوماسية بين أهل السياسة موجودة منذ قرون. لكنها أصبحت مكتوبة على الورق رسمياً في إتفاقية "فيننا" للعلاقات الدبلوماسية بين دول العالم.
في نظر أهل الغرب ، "الطبيب" خريج جامعي متخصص. يحترف مهارات مقننة تشترط تدريب خاص لسنين طويلة. يقدم إختبارات و تطبّق عليه قوانين العمل و يسير حسب بروتوكولات محددة. حاله في ذلك من حال أي جامعي في أي مجال آخر.
بينما في دول العالم الثالث ، كلية الطب تقبل النخبة من أوائل الثانوية العامة ولا ترضى بأقل من ذلك. في الدول المكتظة بالسكان ، حيث المنافسة قاتلة (الصراع من أجل البقاء) و الطلب يفوق العرض بمراحل. نجِد أن الطالب هناك الذي نسبته ٩٨٪ في الثانوية لا يدخل كلية الطب. لأن هناك عدد محدود من المقاعد و كلها محجوزة لطلبة تتراوح درجاتهم بين ٩٩٪ و ٩٩,٩٪.
لذلك يتخرج الطالب من كلية الطب بعد ٧ سنوات عجاف ليرى نفسه في المرآة و على رأسه ريشة. يحترمه المجتمع إلى درجة منحه حصانة "طب-لوماسية". أطلقتُ عليها "طب" لأنها محصورة على الأطباء فقط دون غيرهم من طاقم الخدمات الصحية.
الحصانة الطبلوماسية لا يستهان بها. مبنية على أعراف شفهية غير مكتوبة. هي بحد ذاتها حافز غير مادي لدراسة الطب. لأنها لا تنحصر فقط بمباشرة العمل يومياً دون توقيع-حضور أو بصمة إلكترونية فحسب. و إنما تمتد إلى أبعد من ذلك.
الحصانة الطبلوماسية معناها أن الطبيب غير محاسَب على تصرفاته ، مستَثنى من العتب، فوق القانون، فقط لكونه طبيب. كالآتي:
١. للطبيب الحق في عدم الإلتزام بأي بروتوكول لتطوير أو تحسين سير العمل.
حتى لو كان على أمور بسيطة مثل تحسين خط اليد في كتابة الوصفات كيف يفهم الصيادلة أي دواء مكتوب ، أو إستخدام الحاسوب في إدخال البيانات لتكوين ملفات إليكترونية للمرضى.
حتى لو كان على أمور بسيطة مثل تحسين خط اليد في كتابة الوصفات كيف يفهم الصيادلة أي دواء مكتوب ، أو إستخدام الحاسوب في إدخال البيانات لتكوين ملفات إليكترونية للمرضى.
٢. للطبيب الحق في عدم الإلتزام بالزي الرسمي.
مثل ربطة العنق أو المعطف الأبيض أو زي العمليات (سكربز scrubs).
٣. الطبيب له الحق في أن يرفع صوته و يقل أدبه على أي زميل غير طبيب ، أو أي طبيب أقل منه رتبة.
مثل الصيادلة و الإداريين و الممرضين و الفنيين و الأطباء المتدربين و غيرهم.
٤. الطبيب له الحق في التدخل في ما لا يعنيه من الأمور الفنية و الإدارية.
٥. الطبيب له الحق في رمي قاذوراته في أي مكان و عدم ترك مكانه نظيفاً لغيره.
٦. الطبيب له الحق في عدم إحترام مرضاه.
و عدم شرح حالتهم المرضية. و عدم متابعتهم. و التخلص منهم بأي طريقة ممكنة.
ربما "الحقوق" المذكورة أعلاها مألوفة لمن يتابع المسلسل الأمريكي الشهير "هاوس". حيث بطل المسلسل "د.غريغوري هاوس" (الفنان البريطاني هيو لاوري Hugh Laurie) لديه نفس السلوك. لكنه في النهاية مسلسل درامي لا يعكس أرض الواقع. لأن الطبيب في الولايات المتحدة الذي يمارس الطب بهذه الأخلاق و بهذا الأسلوب لا يدوم طويلاً في مهنته.
زملائي الشرقيين عموماً و العرب خصوصاً سيستنكرون محتوى هذا المقال جملةً و تفصيلاً و هذا رد فعلهم المتوقّع. لكن قبل أن تأخذك العاطفة و تنفعل يا زميلي العزيز ، جاوب على الأسئلة التالية:
١. هل تعرّف نفسك على المريض عندما تقابله للمرة الأولى؟
٢. هل تشرح للمريض حالته و وضعه الصحي بعد التشخيص؟ هل تراعي شعوره و تعامله كإنسان له كيان؟ هل تعامله كأنه واحد من أهلك؟
٣. إذا كنتَ متواجداً في إجتماع أو محاضرة...
هل تضع هاتفك النقال على الوضع "الصامت" (Silent mode)؟
و إذا رن هاتفك. هل تخرج من القاعة لتتحدث؟ أم تتحدث بصوت عالٍ و أنت جالس في القاعة؟
إذا كنتَ جالساً بجانب أصحابك. هل تتحدث معهم بصوت مسموع في نفس الوقت الذي يتحدث فيه المحاضِر؟
٤. إذا كنتَ تعمل في نفس المكان لفترة طويلة. هل تعرف أسماء زملائك من غير الأطباء؟ أم لا زلت تناديهم "صيصطَر"..."بيراذار"(Brother... Sister) لأنك لا تبذل أدنى مجهود لمعرفة أسمائهم؟
٥. إذا كانت طبيعة عملك تتطلب مهارة يدوية (جراحة / قسطرة / منظار) ، هل تتقيد بكل إجراءات التعقيم و السلامة لك و للعاملين معك؟ هل تهتم بحالة المريض قبل و بعد العملية؟
٦. هل أنت "طبيب طقوس"؟
٧. هل درجة إحترامك لزملائك من الأطباء تزداد تزامناً مع ترقياتهم؟
بمعنى آخر: طالب الطب تعامله كأنه حيوان.
بعد تخرجه من الجامعة ، تعامله كأنه خادم.
بعد إنهائه دراساته العليا ، تعامله كزميل عزيز.
بعد ترقيته إلى درجة إستشاري ، تعامله كأخ عزيز.
فإذا أصبح رئيساً عليك ، تناديه "يا طويل العمر".
راجع إجاباتك لكل سؤال مع نفسك. و قيّم نفسك إذا أنت تعتز بحصانتك الطبلوماسية و تمارسها في حياتك اليومية.
الحصانة الطبلوماسية ربما هي أحد الأسباب الأساسية -غير المُعلَنة- التي تجعل الطبيب الشرقي لا يفضّل ممارسة الطب في الغرب. لكن لا أحد يعترف بذلك.
هل عرفت لماذا الطبيب الخليجي يرجع بلاده حتى لو طاب له المقام في الغرب؟
بعض الإخوة العرب يهاجرون إلى الغرب سنين طويلة و يرجعون حاملين معهم الشهادات الجامعية الأجنبية مع جنسية الدولة الغربية التي درسوا فيها. يرجعون للعمل في الدول العربية لعدة أسباب ، منها الحصانة الطبلوماسية. قليل منهم يعترف بذلك.
هذا المقال مكتوب بالعربية لذلك أنا ذكرت العرب. لكن الحصانة الطبلوماسية موجودة عند الشرقيين بشكل عام ، من اليابان إلى شمال أفريقيا. ليست محصورة بالعرب أو الخليجيين فقط.
الأطباء الغربيون في المقابل ليسوا ملائكة. لكن "السيستم" هناك يفرض عليهم قوانين رادعة تجعلهم يحترمون أنفسهم و يعرفون حدودهم. بينما في العالم الثالث "الطبيب" هو "السيستم" ذاته!