الأحد، 1 يوليو 2018

جمعية المعالجة

أتذكرها كأنها البارحة. منذ ما يقارب عشر سنوات مضت. أهل ضاحية قلعة وادرين؛ كبرى ضواحي بلاد الواقواق ، كانوا يشتكون من تكرار تلف عجلات سياراتهم و أنظمة التعليق فيها (المعاونات) بسبب "وعورة" شوارعهم. 

ربما "وعورة" أفضل "وصف" لهذه الطرق. كانت مليئة بالحُفَرْ ، التي كانت تتحول إلى مستنقعات بعد هطول الأمطار. هذا غير تطاير الحصى و تكسّر زجاج السيارات بسبب التعبيد التجاري المغشوش للشوارع

كلما اشتكى اهل الضاحية للشخص المسؤول ، السيد رئيس قسم تعبيد الشوارع الواقواقية ، كان رده السلبي المعتاد "لن أفيدكم. خلوني برة الموضوع". 

اجتمع اهل المنطقة و أسّسوا "جمعية معالجة شوارع قلعة وادرين" و التي سمّيت جوازاً "جمعية المعالجة". جمعية نفع عام. من إسمها نستنتج غرضها و أهداف تأسيسها. قال أول رئيس منتَخَب لها في خطبة رنانة: هدفنا تجديد شوارع ضاحيتنا لأن أهلنا يستاهلون. تذكّروا يا إخواني و أخواتي أن السلبية غير مجدية. نريد فزعتكم معنا. 


كلها بضعة شهور و رئيس الجمعية المنتخَب قد نجح في الانتخابات البرلمانية الواقواقية و اصبح عضواً لامعاً في البرلمان و إستقال تلقائياً من رئاسة جمعية المعالجة. تاركاً وراءه مشاكل شوارع قلعة وادرين المعلّقة المزمنة بلا حَل. و كيف لا ينساها؟ و هو الآن يواجه مهاماً أكبر و اخطر من مشكلة سخيفة كالشوارع الوعرة غير المُعَبّدة. حتى لو الجمعية تأسست لعلاج هذه الشوارع.


صورة أرشيفية: مقر جمعية المعالجة في قلعة وادرين
اليوم 
و قد مرّت ١٠ سنوات على تأسيس جمعية المعالجة. إنجازاتها كانت صفر. أو للأمانة ، ما هو أقرب إلى الصفر. لأن الجمعية ردمت حفرة كبيرة كانت أمام مقرها و كان هذا إنجازها الوحيد. كل رئيس منتخَب لها كان يستخدم الجمعية كعتبة. سلّم. وسيلة. ليصعد بها الى منصب أعلى و أهم في الدولة. لا أحد يتذكر الغرض الأساسي الذي من أجله تأسست الجمعية. و لا عزاء لأهالي ضاحية قلعة وادرين.

قبل يومين جاء شاب وسيم. أنيق. متحدث لبق. له حضور و هيبة و كاريزما ربما تليق بسفير أو وزير. إعتلى منبر جمعية المعالجة و أعلن ترشّحه لرئاستها. تلى هذا الإعلان سلسلة من الوعود لإصلاح الطرق المتهتّكة و الشوارع التالفة. دام الخطاب تقريباً لساعتين. خَتَمَ خطابه اللمّاع بجملة رمتني بالمنجنيق عبر الزمن  الى الماضي السحيق ، عندما قال "يا جماعة ترا السلبية غير مجدية". 

الحضور الغفير في صالة الجمعية -أغلبه من الشباب أصغر من ثلاثين عاماً- بدأ بالتصفيق الحار. لم يحضر "شايب" غيري في الصالة  انتخابات الجمعية الأولى وقت تأسيسها. لذلك عبارة "السلبية غير مجدية" كانت جديدة على كل الحضور. لكنها لم تكن جديدة علي. 

مفاجأة الموسم 
أن المفتاح الانتخابي للمرشّح الجديد. هو نفسه الرئيس السابق لقسم تعبيد الشوارع الواقواقية. الطرطور الكاشخ. المزهرية. خيال المآتة. الذي كان قبل عشر سنوات يردِّد عبارة "لن أفيدكم. خلوني برة الموضوع" لكل المشتكين. عندما رأيته إبتسمت. نهضت. جمعتُ مفاتيحي و محفظتي و جوّالي من فوق الطاولة. و رجعتُ البيت. نادماً على ساعتين ضيّعتهما من عمري في صالة الجمعية. لو قضيت هذا الوقت في مساعدة أبنائي في واجباتهم المدرسية لكان أكثر بركة. 

هذه القصة خيالية من قريحتي الفكرية. زبدتها تصلح لكل زمان و مكان. أي تشابه بينها و بين أحداث واقعية هو بمحض الصدفة البحتة. أنا ما لي شغل... خلوني برة الموضوع.