عندما يفكر الأستاذ الشرقي
أنا أستاذك.
أنا بالنسبة لك أهم من أمك و أبوك و كل أهلك مجتمعين.
عندما كنت في مرحلتك ، أستاذي جعل حياتي جحيماً. الدور الآن لي لأجعل حياتك أنت جحيماً. لا تأخذ المسألة على محمل شخصي. فأنا أعرفك منذ فترة وجيزة. لا أكرهك لشخصك. لكن هذا هو عُرفنا. الرتبة الأعلى تضطهد الرتبة الأدنى منها. السمك الكبير يأكل السمك الصغير.
عليك أن تشكرني -و تقبّل قدميّ أحياناً حسب الموقف- على كل "معلومة" أتفضّل عليك بها. و إذا لم يعجبك كلامي و فكرتَ في التمرد ، فتذكّر أن مصيرك في يدي. أستطيع تدمير مستقبلك بجرّة قلم إذا تعكّر مزاجي عليك لأي سبب مهما كان تافهاً. مفردة "تلميذ" في قاموسي ترادف "خادم" أو "حشرة" و ربما أدنى من ذلك.
إعلم أنني لستُ مسئولاً عن تعليمك. دراستك مسئوليتك الشخصية.
المعلومات التي ستخرج من "فمي المقدّس" ستختلف عن ما هو موجود في الكتب.
إختبارك نهاية العام سيأتي مختلفاً جداً عن ما درّستك إياه و عن ما في الكتب أيضاً.
غرضي من الاختبار تعجيزك و إثباتي لك أنني أفضل منك.
تسجيلك لصوتي العذب في المحاضرات ممنوع.
تدوينك أسئلة اختباراتي ممنوع أيضاً.
المعلومة اذا قلتها مرة ، لن أكررها مرة أخرى.
تذكر أنني حتى لو لم أدرسك حرفاً واحداً لن يُخصَم من راتبي فلساً واحداً.
عندما كنت طالباً في مرحلتك كنت بمستواك و ربما أسوأ. لكنني لن أعترف بذلك.
يجب علي أن أريك بأنني الطفل المعجزة.
الفارس المغوار.
راعي الصولات و فتى الجبل في ميدان المحاضرات.
كل أساتذتي القدامى يشهدون بذلك.
و أنا أعلم أنك لن تجرؤ على سؤال أساتذتي من ورائي لتتأكد من صحة هذه "الحقائق".
عليّ أن أصعّب المادة العلمية قبل تقديمها لك. و إلا كيف ستقدّر عظَمَتي و جلالة قدري؟ إذا بسّطتُ لك المادة فهذا معناه أنني إنسان تافه. هذا يشمل عدم تقبّلي لأي خطأ أو تقصير منك مهما كانت ظروفك صعبة.
أنا لا أنظر إليك كتلميذ حالياً فحسب. و إنما كمنافس لي في المستقبل القريب. فإذا لم أستطع إزالتك من المعادلة كلياً، على الأقل سأعمل على تهميشك أو تحجيمك أو تأجيل ترقيتك. إذا - لا سمح الله - وجدتَ طريقك إلى سلم الترقية ، سترى إحترامي لك يزداد تزامناً مع مسماك الوظيفي. إلى أن تصل إلى درجتي، وقتها سأعاملك كأخٍ عزيز.
عندما يفكر الأستاذ الغربي
أنا معلمك. معناها أنا مسئول عنك.
أنت انعكاس لي و سفيري عندما ترجع بلدك.
فإذا كان مستواك ممتاز ، معناها أنا ممتاز. و بالتالي ستعكس سمعة مشرّفة للمستشفى.
الدنيا عجلة صغيرة دوّارة.
أنت تلميذي اليوم و زميلي غداً.
تجاربنا السابقة مع تلاميذنا الكثيرون أثبتت أن بعضهم تفوّقوا علينا في البحث العلمي و أصبحنا نحن تلاميذهم. نستفيد من أبحاثهم مثلما إستفادوا هم من أبحاثنا. إذا عاملتك بالحسنى اليوم ، سترد لي الجميل غداً.
سأعلمك المادة العلمية كما علموني إياها أساتذتي.
إختبارك نهاية العام سيكون محصوراً في ما علّمتك ، دون فلسفة زائدة.
طبيعة عملنا تكرارية. بمعنى انك ستمارس نفس المهارات و ستسمع مني نفس الدروس يومياً.
لذلك امتحاناتنا لن تكون صعبة عليك طالما انك ملتزم معنا.
لا تتعب نفسك و تسجّل محاضراتي. لأني سأعطيك ملخصات عنها آخر النهار.
كل تدريسنا استخرجناه من الكتب الموجودة عندك أصلاً وهي متوفرة على موقع مستشفانا عبر موقع الانترنت.
لا أستطيع إيذاؤك دون عذر قوي.
إذا أخطأت فهذا جزء من تعليمك.
تتعلم من أخطائك مثلما تعلمنا نحن من أخطائنا. و تستمر الحياة.
مستشفانا مؤسسة براغماتية لا تعتمد على قرار شخص واحد.
فإذا ظلمتك ، تستطيع تقديم شكوى ضدي ، و في أغلب الأحيان ستنال حقك.
إلحاق الضرر بك لا يصب في مصلحتي على أي حال. لأن المستشفى يدفع لي أجرة تدريسك.
فإذا كان تقريرك عني سيئاً (feedback) فلن أقبض فلساً واحداً من الإدارة.
تحليل
هذه الأفكار و النوايا التي تدور في عقول أساتذتنا. الشرقيون منهم و الغربيون.
إستنبطتها من أفعالهم لا من أقوالهم. لأن المثل الخليجي يقول "الحرامي ما يقول أنا بايق" (بايق: سارق). الأستاذ ذو العقل الشرقي ربما يغضب و يستنكر من ما كتبته عنه أعلاه. لكن الفعل (و ليس الكلام) يعكس ما في النفوس حقاً.
فحتى لو أنكر صاحب الشأن ذلك. فسلوكه يفضحه. الذي على رأسه ريشة يحسّس عليها.
"الفكر" هو نمط التفكير المحفور في عفل الفرد. يتشكّل هذا الفكر مع الانسان حسب تركيبته الجينية و بيئته و أخلاق مجتمعه و قدوته. لذلك المعلم صاحب العقلية الشرقية يظل شرقياً حتى إذا درس و تخرج من أرقى جامعات أوروبا و أمريكا. و صاحب العقلية الغربية يظل كذلك حتى لو انتقل للعيش في دول الشرق.
بعض أساتذتنا الشرقيون (هنود ، عرب ، ماليزيون ، صينيون...الخ) يحملون البورد الأمريكي و الكندي. لكن عقليتهم الشرقية محفوظة بأفضل المواد الحافظة في السوق. يفتخرون بها و يحامون عنها. العقلية فكر. تغيير الفكر أصعب بكثير من تغيير الشهادة و اللغة و التعليم.
ملاحظات
١. كتبت ما يدور في عقل الطبيب المعلم في المستشفى. أعتقد أن الفكرة نفسها تنطبق على التعليم في أي مجال غير الطب.
٢. قلت "شرقي" و لم أقل "عربي". قابلت أطباء شرقيين من الهند و الشرق الأقصى و العالم العربي. بشكل عام العقلية الشرقية هي نفسها لا تختلف كثيراً.
٣. العقلية الشرقية الحديثة هي في أصولها العقلية الغربية "القديمة". كل من عاصر الجيل القديم من الأطباء الإنجليز حتى منتصف القرن العشرين يعرف ذلك. الفرق أن أطباؤنا الشرقيون حافظوا عليها من الإنقراض. بعكس الإنجليز الذين رموها خلفهم.
٤. المعلم الشرقي في الغربة ذئب! لأنه ينتقي ما يدرس من الغرب. يكتسب منهم المهارات و العلم فقط. و يترك أخلاقيات المهنة جانباً. عقلية شرقية + مهارات غربية = متلازمة البورد الكندي (كناديان بورد سيندروم).
٥. بعضنا جرّب التلمذة على يد الطرفين. دَرَسَ عند الشرقيين و عند الغربيين.
فإذا التقى بأساتذته الشرقيين في مؤتمر أو حفلة بعد غياب طويل ، داسَ على كرامته و ضَغط على نفسه ليتظاهر بإحترامهم. و أحياناً يفشل للأسف بزلّة لسانه أو بلغة جسده.
٦. من علمني حرفاً صرتُ له عبداً
هل ينطبق هذا المثل على الأستاذ الشرقي أم الأستاذ الغربي؟
من منهما يستحق القيام و التبجيل لأنه كاد أن يكون رسولاً؟
لماذا أنا أعيد و أزيد في هذا الموضوع؟
أزمة التعليم الطبي في العالم الشرقي التي عانيت منها في الماضي ، لا تزال موجودة.
لا يزال الطبيب المتدرب في بلادي يعاني بدون سبب.
لا يزال الاستشاري يستعبد الطبيب المتدرب بدون أن يدربه في المقابل.
لا تزال المخرجات التعليمية في بلادنا ضعيفة.
أترككم مع هذا السؤال
لماذا الطبيب المتدرب في الغرب يتعلم في سنة واحدة ما لا يتعلمه الطبيب الشرقي في خمس سنوات؟