الطبيب "المحصّن" و "الخارق" هو الطبيب الذي لا يستطيع أحد أياً كان أن يقيله أو يعاقبه أو يحيله للتقاعد أو حتى يخصم من راتبه. حتى لو فقد هذا الطبيب أهليته لممارسة مهنة الطب. وليس ذلك فحسب. بل لديه نفوذ ربما يفوق نفوذ وزير الصحة نفسه. لكي تكون طبيباً خارقاً محصّناً تحتاج لثلاثة شروط رئيسية و شرط رابع ثانوي. الشروط تتلخص في النقاط التالية:
الشرط الأول (أساسي): كن مواطناً.
الشرط الثاني (أساسي): كن من الروّاد الأوائل في تخصصك.
الشرط الثالث (أساسي): شهاداتك العليا يفضّل أن تكون في الغرب. خصوصاً أمريكا الشمالية.
الشرط الرابع (ثانوي): أن تكون "محسوباً" على شخص مهم للغاية.
الشرط الأول: أن تكون مواطناً.
لم يكن في الكويت في بداية نهضتها (بعد النفط) من الأطباء الكويتيين سوى النخبة. قلة قليلة جداً من الذين حالفهم الحظ وناسبتهم الظروف في تلك الأيام. الأغلبية الساحقة من الأطباء في البلد كانوا من الوافدين. بعض هؤلاء الوافدين حصلوا على الجنسية الكويتية بعد سنوات طويلة من الخدمة. بينما آخرون لم يرغبوا فيها (أو لم يحالفهم الحظ). هؤلاء الوافدين لم تمنحهم شهاداتهم و خبرتهم أي نفوذ و لم تحمِهم من العقاب و الإقالة والتقاعد الإجباري.
الشرط الثاني: أن تكون من الروّاد الأوائل القُدامى في تخصصك (أو مستشفاك).
قيلَ في التراث الخليجي "من سبق...لبق". مثلاً إذا كنتَ من أوائل الجراحين الكويتيين في البلد ، أو كنتَ أول طبيب قلب كويتي في مستشفاك ، فهذا بحد ذاته يؤهلك لتكون خارقاً. نفوذك ربما يؤهلك لتوظيف أو طرد أي طبيب وافد في قسمك في أي يوم حسب مزاجك في ذلك اليوم. الصلاحيات لا تتوقف عند ذلك فحسب. تستطيع أيضاً أن تحارب الدماء الجديدة من الأطباء الكويتيين في مجال تخصصك و تستطيع "طمسهم" و "تكسير مجاديفهم" حتى إذا تفوقوا عليك علمياً.
الشرط الثالث: شهاداتك العليا يفضّل أن تكون في الغرب. خصوصاً أمريكا الشمالية.
ليس مهماً أن تكون نابغة زمانك أو لديك شغف لعملك أو لديك خبرة طويلة. المهم أن تحصل على شهاداتك العليا من الغرب. ذلك لأن عقدة الأجنبي تلعب دوراً مهماً جداً و "عنزة الفريج تحب التيس الغريب". عبارة "البورد الأمريكي/الكندي" لها وقعها على الأذن. سواء كان صاحب هذا البورد تدرّب في المستشفيات التابعة لجامعة "هارڤارد" أو تخرّج من مستشفى صغير بدائي (١٠٠ سرير فقط) في أرياف ولاية ريفية. فهذا لا يهم طالما أنه متخرج من "أمريكا".
الشرط الرابع (ثانوي): المحسوبية و النسب.
أن تكون "محسوباً" على شخص مهم للغاية، أو تنحدر من أسرة عريقة أو قبيلة ذات نفوذ. ربما تظن بأن هذا الشرط رئيسي. لكنه ثانوي حسب مشاهداتي الشخصية وخبرتي المتواضعة. لماذا؟ لأن منصبك (و مصيرك) عادةً يرتبط بالشخص الذي انت محسوب عليه و "السيناريوهات" عديدة، للمثال لا الحصر: عندما تكون محسوباً على شخص مهم. فأهميتك تتلاشى في حال إستقالة أو تقاعد أو وفاة هذا الشخص المهم. سيناريو آخر على أرض الواقع، عندما تتخلى عنك قبيلتك أو تتبرأ منك أسرتك و بالتالي نفوذك يتلاشى تلقائياً.
الشروط الأربعة المذكورة أعلاه ماهي إلا مجرد استنتاجات استخلصتها من واقع خبرتي المتواضعة على مر السنين. هذه الشروط ليس لها أي إثبات علمي أو أدلة رسمية. و لكنني شاهدت أنماطاً في المشاهد التالية:
- طبيب عالمي وافد، لديه خبرة مهنية لأكثر من ٣٠ عام. يتم إجباره على التقاعد أو إبعاده أو تهميشه بالرغم من أنه أكثر نشاطاً من زملائه الذي يصغرونه سناً. لغياب الشرط الأول.
- طبيب كويتي متدرب في أرقى مستشفيات أمريكا، يرجع البلد و يعمل لعدة أشهر. بعدها يستقيل ويرجع لمستشفاه في أمريكا (أو يتفرغ للقطاع الخاص في الكويت) لغياب الشرط الثاني.
- طبيب كويتي من القدامى الأوائل في تخصصه. كان يذهب الى المستشفى ليمارس مهنته كطبيب عندما كان رؤساؤه يذهبون الى الروضة محمولين بالحفاظات ! وبالرغم من ذلك فهو يفتقر للنفوذ و تم إجباره على التقاعد أو الإستقالة على يد أطباء أصغر منه سناً. بسبب غياب الشرط الثالث.
لم أجد تفسيراً لهذه المشاهد المؤلمة والمؤسفة سوى هذه الشروط الأربعة. ربما مستشفيات دول الخليج العربية الأخرى لها نفس الشروط ، والله أعلَم.